حركة الأشخاص: تبادل في اتجاه واحد
لوسيل دوما[1]
التاريخ: 18 يونيو 2014. “بدأ الهجوم في وقت مبكر يوم الاربعاء من نحو 400 من المهاجرين غير الشرعيين الذين حاولوا عبور سياج من السلك الثلاثي بعلو سبعة أمتار يحيط بالمدينة. “لم يتمكن أي منهم من الدخول إلى الأراضي الإسبانية”، وقال محافظ مليلة في بيان أن حوالي 150 مهاجرا “بقوا معلقين على السياج أو نزلوا بين الحواجز”[2]
تم تدعيم الحدود بين المغرب والجيبين الإسبانيين المتواجدين في الأراضي المغربية،سبتة ومليلية في عام 1995 بسياج فاصل مزدوج، أصبح ثلاثيا بعد ذلك وبعلو 6 إلى 7 أمتار ومجهزا بكاميرات للرؤية الليلية ورادارات وأسلاك شائكة ذات شفرات حادة كشفرات الحلاقة. لقد تم وضع آلة حرب حقيقية ضد المهاجرين هناك. وعلى الرغم من هذا تتمكن أقلية من العبور أثناء هجمات جماعية. أما البعض الآخر وهم الأغلبية فيجب عليهم العودة على أعقابهم وغالبا ما يكونون قد أصيبوا بجروح خطيرة للغاية، وكثيرا ما تعبر قوات إنفاذ القانون الإسبانية أو المغربية الحدود لجلب المهاجرين الذين عبروا سرا[3].
لسنة 1995 أهمية رمزية. فهي السنة التي تم فيها إطلاق الشراكة الأورومتوسطية في برشلونة والتي كان مفترضا بها جعل البحر الأبيض المتوسط “منطقة سلام وازدهار مشترك” و “حوار بين الشعوب والثقافات”. ألم يجدوا شيئا أفضل من الحواجز لتشجيع التبادل والحوار؟
ومنذ ذلكالحين، و بعد اتفاقيات تبادل حر وسياسة حسن الجوار، مرورا بالشراكة المتقدمة، لم تتراجع سياسة غلق الحدود هذه. تبين الخريطة أعلاه كيف تتزايد منظومات الحد من تنقلات الناس في وقت تتضاعف فيه اتفاقيات التبادل الحر في العالم. حتى أن جدارا فاصلا جديدا هو قيد الإنشاء على الحدود الشرقية للمغرب، بين المغرب والجزائر.
خصص الاتحاد الأوروبي في بداية شهر يونيو عام 2014، مرة أخرى، 10 مليون يورو لمساعدة اسبانيا على تعزيز تدريع الحدود حول سبتة ومليلة، وبالتوازي مع ذلك أطلق في أبريل2013 نظام ” Closeye” كجزء من وكالة فرونتكس[4](Frontex)” للمراقبة الجوية لمضيق جبل طارق باستعمال التكنولوجيات المتقدمة من طائرات دون طيار إلى الأقمار الصناعية الذكية.
وهكذا، وفي الوقت الذي يتم فيه التفاوض حول حرية حركة البضائع والسلع، وتتم فيه تغطية المغرب بمناطق الأوفشور، وهي مناطق انعدام القانون على الاراضي المغربية تسمح للمستثمرين الأوروبيين باستغلال كثيف للعمالة المحلية وإعادة تصدير الإنتاج والأرباح، أصبحت الحدود بين المغرب والاتحاد الأوروبي مقفلة أكثر من أي وقت مضى أمام جميع الأفارقة بما في ذلك المغاربة.
قد يتساءل المرء مثلما فعل كلير رودييه[5] إن لم تكن هذه الأجهزة تخدم هدفا سياسيا (حول موضوع الأمن وأسطورة التهديد الذي تمثله الهجرة) واقتصاديا (أنها مكلفة للغاية بالنسبة للبلدان التي تستعملها ولكنها مربحة جدا لصناعات التسليح وبعض الشركات الأمنية[6] متعددة الجنسيات) عوضا عن إغلاق فعلي للحدود في وجه هامش قليل من سكان أفريقيا يرغبون في العبور. “يبدو الأمر كما لو أنه بدلا من جلب الأمن الموعود يكشف كل نظام مراقبة جديد عن العيوب وأوجه القصور في سابقيه ويبرر الذي سيليه[7].”
عدد المهاجرين المتوفين أو المفقودين في المتوسط (في السنة)
المصدر: UNHCR/OIM, لسنة 2014، إحصائيات منتصف سبتمبر 2014
ومهما يكن من أمر فإن هذه الحواجز المتعددة، التي يمكن الحكم على آثارها المميتة من خلال الرسم البياني أعلاه، تهدف عمدا للإيذاء والقتل وتحدث اضطرابا في المفردات المستخدمة من قبل الاتحاد الأوروبي لوصف علاقتها مع المغرب ك “شريك مميز” في سياق “سياسة الجوار” و “الوضع المتقدم” مانحا إياه كل مزايا الاتحاد الأوروبي “إلا المؤسسات”.
وضع متقدم مقارنة بماذا؟
سنجد من الان فصاعدا بين الشركاء المتوسطيين للاتحاد الأوروبي، في إطار “مسار برشلونة”، شركاء عاديين وشركاء متميزين. مثل إسرائيل التي تتمتع أيضا بوضع الشريك المتميز أو تونس بن علي التي استفادت أيضا من هذه التسمية.
فهل تم وضع الشركاء في حالة منافسة بهذه الطريقة؟ أو هل يجب علينا بدلا من ذلك اعتبار هذا الوضع مكافأة رمزية للخدمات الجليلة التي قدمها المغرب، من خلال فتح أراضيه للمستثمرين الأوروبيين وحراسة حدود أوروبا؟ هل يكون الوضع المتقدم جوابا بعد عشرين عاما من طلب المغرب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي قدمه الحسن الثاني منذ عام 1987؟ إنها وجهة نظر غير محتملة، حتى انها لم تثر نفس الجدل الساخن الذي أثاره طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي.
على أي حال يعرض هذا الوضع “المتقدم” الرغبة في المزيد من الاندماج وتبادل أفضل بين الكيانين. وهذه هي على الأقل الصورة التي يتم عرضها على الجمهور.
تبادل بدون تنقل: إغلاق الحدود
لاشك أن المبادلات هي الأهم، حيث يستند المشروع كله على وضع الصيغة النهائية لمنطقة تبادل حر بين الكيانين، والتي أصبحت حقيقة واقعة منذ نهاية عام 2012 (باستثناء المكون الزراعي الذي هو موضوع اتفاق منفصل[8]). ولكن التبادل الحر الموصوف اليوم في جولة جديدة من المفاوضات “بالشامل والمعمق” لا ينطبق إلا على السلع ورأس المال فقط. أما فيما يخص البشر فالحدود تزداد إغلاقا كل يوم. وتستمر القوانين الجديدة في التراكم مشكّلة مراجع مبهمة تسير دائما في اتجاه الاغلاق والعسكرة المتزايدة للحدود أمام شعوب الجنوب[9] (تعتبر حرية الحركة في الاتجاه الآخر مفيدة بالضرورة) كما تتزايد عمليات الترحيل ومشاركة البلدان النامية أكثر من أي وقت مضى في إغلاق حدودها على حساب مواطنيها.
تعد وكالة فرونتكس، التي أنشئت في عام 2004 من أجل تنسيق السيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، الأداة الرئيسية لهذه السياسة وتتمتع بميزانيات كبيرة[10]. ولكن على الرغم من هذا ينص تقريرها السنوي أن العبور غير الشرعي من جميع حدود الاتحاد الأوروبي ارتفع من 72500 إلى 107000 حالة بين 2012 و 2013، وهو ما يعادل زيادة بنسبة 48٪[11]. تعود هذه الزيادة، دون مفاجأة، إلى عمليات النزوح الجماعي للسوريين الفارين من الحرب والقنابل.
أما فيما يخص الجانب الغربي من البحر الأبيض المتوسط، فالتقرير يشير إلى أن الأرقام ظلت مستقرة في عام 2013 مع الكشف عن 6800 حالة عبور غير شرعية ثلثاها تمت عبر حدود سبتة ومليلة[12]. وهذا على الرغم من تعدد البرامج المنفذة مثل برنامج EUROSUR الذي أطلق في ديسمبر كانون الاول عام 2013 والذي يجمع كافة البيانات على حدود الاتحاد الأوروبي وGMES (المرصد العالمي للبيئة والأمن) وهو أداة أوروبية لرصد حركة الأشخاص عبر الأقمار الصناعية ونظام LIMES (رصد الأرض والبحر من أجل البيئة والأمن) أو نظام CLOSEYE الذي ذكرناه آنفا. إن التطور التقني للمراقبة لا يساهم في تضاءل محاولات العبور وللتأكد من ذلك يكفي إلقاء نظرة على عدد الوفيات الذي يستمر في الارتفاع[13] كما أنه لا يستعمل لإنقاذ القوارب التي تواجه صعوبات في البحر.
التبادل دون التنقل: عمليات الترحيل
يبقى منع حرية التنقل نحو أوروبا دائما على جدول الأعمال، وتظل عمليات الترحيل إلى البلدان الأصلية أو بلدان العبور واحدة من أدوات إغلاق أوروبا أمام جيرانها مهما كانت درجة” تقدمهم “بالنسبة لها.
اشتهر المغرب للأسف بطرد المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى الجزائر وموريتانيا ولكن وضعه كشريك “متقدم” في علاقة بأوروبا ودور حارس الحدود لا يعطي أي امتياز لمواطنيه في هذه المسألة، بل على العكس من ذلك يجعل قربه من أوروبا عمليات الطرد أسهل وأكثر تواترا.
هكذا، تم إعلان أكثر من 12000 مغربي أشخاصا غير مرغوب فيهم في أوروبا في عام 2013 بما في ذلك أكثر من 3900 تم ترحيلهم قسرا. وقد بنت اسبانيا من جانبها مركزي ايواء في الناظور وبني ملال للقاصرين لتمكينها من الالتفاف على القانون، الخاص بها، الذي يحظر طرد أو ترحيل أي قاصر ليس له بنية إيواء في بلاده.
وعلاوة على ذلك،لا تزال الضغوطاتمستمرة وقوية من الاتحاد الأوروبي على المغرب لحمله على توقيع الاتفاق العام لإعادة القبول الذي من شأنه أن يغطي جميع البلدان الأوروبية وجميع المهاجرين غير المقبولين، مغاربة كانوا أم لا، والذين يفترض أن يكونوا قد دخلوا إلى أوروبا من المغرب. وتم توقيع “شراكة من أجل التنقل”(كذا) في حزيران عام 2013، تربط بوضوح المرونة في منح التأشيرة، لفئات معينة من المواطنين المغاربة، بنتائج المفاوضات بشأن اتفاق إعادة القبول والذي “يقدم أيضا أحكاما متعلقة برعايا بلدان أجنبية أخرى[14]“. لا تزال هذه المسألة واحدة من محاور المفاوضات الجارية بشأن الاتفاقيات الشاملة والمعمقة للتبادل الحر، وفق منطق منظمة التجارة العالمية التي تريد أن يكون تنقل الناس جزءا من الاتفاقات التجارية. لكن يبدو، اعتمادا على مصادر مطلعة، أن المغرب مازال لم يحصل إلى اليوم على تفاصيل تخص طبيعة ومدى المرونة المقترحة.
التبادل دون التنقل: التأشيرات
لا تعادل رغبة المغرب الصادقة، في موضوع مراقبة الحدود الجنوبية لأوروبا، معاملة تفضيلية للمغاربة. فالتقرير السنوي لفرونتكس 2014يبين أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يرفض على نطاق واسع طلبات التأشيرة من بلدان المغرب العربي. وتملك الجزائر الرقم القياسي العالمي بـ 27٪ من رفض مطالب التأشيرة في حين يحل المغرب في المركز الرابع مع ما يزيد قليلا عن 10٪.
ترتيب البلدان العشرين الأولى حسب نسبة رفض مطالب التأشيرة
المصدر: نظرة عامة على احصائيات تأشيرة شنغن 2009-2012، المديرية العامة للجنة الشؤون الداخلية الأوروبية، 2013. في: فرونتكس، التحليل السنوي للمخاطر 2014، فرونتكس، وارسو، مايو 2014.
ومع ذلك فهذه الأرقام تبقى نسبية، حيث أن رسوم التأشيرة (60 يورو للحصول على تأشيرة عبور أو إقامة القصيرة و 99 يورو للحصول على تأشيرة إقامة طويلة) باهظة جدا وغير قابلة للاسترداد في حالة رفض التأشيرة. كما أنه من أجل وضع ملف الحصول على التأشيرة يجب أخذ موعد عن طريق الهاتف قبل عدة أسابيع، كما أن قائمة الوثائق المطلوبة لا نهاية لها. أكثر من ذلكفالكثير من الناس لا يجرؤون حتى على تقديم طلباتهم خوفا من إضاعة الوقت والمال.
وعليه فإن الوضع المتقدم هو ليس فقط “كل شيء إلا المؤسسات” ولكن أيضا ” كل شيء إلا حرية التنقل”. قد يكون المغرب شريكا مميزا ولكن المغاربة لا يزالون أشخاصا غير مرغوب فيهم وتعليق العمل بالتأشيرة ليس مدرجا على جدول الأعمال. بل وأكثر من ذلك ” يمكن للاتحاد الأوروبي أن ينظر في كل حالة على حدة، مع الأخذ في الاعتبار العلاقة الشاملة مع الدولة المعنية وأن يتخذ تدابير مشروطة بما يؤدي تدريجيا إلى تحرير نظام التأشيرات للبلد المعني” ” شريطة أن تنفذ الآليات القانونية (…) والسياسية (الحوار حول السياسات وخطط العمل) بشكل فعال[15]“. يا لها من دقة صياغة!
ولكن هجرة اليد العاملة غير مستبعدة، فأوروبا تدرك أن انخفاض معدل الولادات سيؤدي في غضون سنوات قليلة إلى زيادة الاحتياجات من اليد العاملة الخارجية. لكنها لا تعرف إلى متى ستواصل احتواء استياء موظفيها بشأن تجميد الأجور وتواصل هشاشة القوانين الأساسية أكثر من أي وقت مضى. ومن المرجح أن يتم في هذا السياق اللجوء إلى هجرة أكثر اتساعا لليد العاملة ولكن وفقا لمصالح أوروبا بطبيعة الحال، “إن الغرض من الهجرة والتنقل هو المساهمة في حيوية تنافسية الاتحاد الأوروبي. كما أن ضمان وجود يد عاملة قابلة للتكيف مع المهارات المطلوبة وقادرة على التعامل بنجاح مع التغير السكاني والاقتصادي المستمر يعد أولوية استراتيجية بالنسبة لأوروبا[16].”
وبالتالي فإن ما نفهمه عندما يؤكد الاتحاد الأوروبي والمغرب على “أهمية تطوير البعد الإنساني للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب من خلال تعزيز التبادلات الثقافية والتعليمية والعلمية وإشراك فاعلين جدد وتشجيع مساحات التشاور بين المجتمعات المدنية”[17] [13] هو أن هذا التبادل مؤطر للغاية ومحدود بسبب “مساحات الحوار” الممنوحة والحصول على التأشيرات قطرة قطرة. لنقلها بصراحة:لا يتعلق الأمر بالتقارب بين الشعوب.
السياسة المغربية الجديدة حول الهجرة: تقدم إنساني أم ذر للرماد في العيون؟
أعلن المغرب في نفس هذا السياق في سبتمبر الماضي قراره بتبني سياسة للهجرة أعدت في تقرير صادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعنوان “الأجانب وحقوق الإنسان في المغرب: من أجل سياسة لجوء وهجرة جديدة جذريا”. مشيرا إلى أن المغرب اليوم ليس فقط بلد للهجرة والعبور ولكن أيضا “أرض لجوء واستقرار دائم للمهاجرين” كما يعترف صراحة بالانتهاكات التي مورست سابقا ضد المهاجرين والتي كانت الجمعيات الوطنية والدولية والمنظمات غير الحكومية تستنكرها بانتظام (التوقيف والمراقبة بالتشبيه والترحيل والطرد الجماعي والعنف، وعدم الاعتراف بحقوق اللاجئين، وعدم منح تصاريح الإقامة …): ” بعيدا عن التشكيك من حيث المبدأ في حق السلطات المغربية في مراقبة دخول وإقامة الأجانب وواجبها في مكافحة الاتجار بالبشر يعتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان أنه لا يمكنللحكومات، عند أداءها تلك المهام، تجنب الأحكام الدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان وحقوق الأجانب والالتزامات الدولية بموجب التصديق على جميع آليات حماية حقوق الإنسان (…) “.
وتتعلق النقاط الرئيسية في هذا النص بإنشاء نظام وطني للجوء (دون الإشارة إلى اتفاقية جنيف التي وقعها المغرب) إنشاء برنامج تنظيم خاص لبعض فئات من المهاجرين غير الشرعيين، وفقا لمعايير مختلفة (مدة الإقامة في المغرب والحياة الأسرية الاندماج في المجتمع المغربي والاتفاقات الثنائية …). وأخيرا تتعلق بعض التدابير بالمهاجرين الشرعيين (الحق في تكوين الجمعيات والحق في التصويت في الانتخابات البلدية وما إلى ذلك). لذلك فالمنظمات الدولية الأممية والبلدان الشريكة والجهات المانحة مدعوة لمساعدة المغرب ماليا لتنفيذ هذه السياسة.
يبدو التقرير، الذي وافق عليه الملك، وكـأنه يظهر إرادة حقيقية لإيجاد حل للوضع الجديد للمغرب كبلد مضيف لطالبي اللجوء والهجرة. لقد تناول المغرب تبعا لذلك لأول مرة قضية المهاجرين غير الشرعيين ووعد بتسوية الوضعية. ومع ذلك فإن الطبيعة “الاستثنائية” لهذا الإجراء وتعدد المعايير للحصول على تصريح إقامة (وبالتالي صعوبة جمع الوثائق المطلوبة) والتجارب السابقة لمثل هذه العمليات في بعض البلدان الأوروبية يمكن أن تعطينا فكرة عن المسألة بالفعل وقد جاءت الأخبار بسرعة لتأكيد الشكوك.
وفيما يتعلق بحق اللجوء، فإن إحدى أولى إجراءات السياسة المغربية الجديدة بدأت منذ يناير عام 2014 بسلسلة من عمليات طرد المواطنين السوريين إلى تركيا والجزائر مع لعبة أخذ ورد رهيبة بالأسر السورية بين المغرب والجزائر عبر حدود كان من المفترض أنها أغلقت[18].
وبالإضافة إلى ذلك فإن المفوضية العليا للاجئين، التي اقنعت المغرب بعد صعوبات جمة بالاعتراف بطريقة أو بأخرى ببطاقات اللجوء التي تمنحها، تجد اليوم نفسها في وضع محرج مرة أخرى على ضوء فتح المغرب لمكتب لطالبي اللجوء لم يمارس نشاطه إلى اليوم تقريبا. إن الوضع جد مقلق حتى أن ممثلة المفوضية العليا للاجئين بالنيابة في الرباط أعلنت في مقابلة مع صحيفة Yabiladi الالكترونية بتاريخ 20 يونيو 2014 بمناسبة اليوم العالمي للاجئين:
“… لم تعد تمنح اليوم أي بطاقة لاجئ ولم تعد اللجنة المغربية الخاصة تجتمع لدراسة أي حالة جديدة من حالات طالبي اللجوء الذين يتقدمون منذ سبتمبر. (…) وبما أننا لا نريد إصدار بطاقة لاجئ لا يعترف بها المغرب وخلق مشاكل للاجئين الذين تم الاعتراف بهم من قبل الدولة فلن يجد طالبوا اللجوء لدينا إلا القرارات السلبية. وعليه يمكنهم التنظم على هذا الأساس لاستئناف القرار. ويبقى الآخرون في الانتظار. (…) إن هذا الترقب خطير جدا نظرا لوجود حالات حساسة جدا تحتاج إلى قرار من المغرب للتمتع بإعادة توطين دولي وأعني هنا حالة بعض المثليات والمثليين والمخنثين والمتحولين جنسيا وأيضا النساء اللواتي تعرضن للعنف خلال مسار هجرتهن والأطفال غير المصحوبين بذويهم الذين يمكن إعادة توطينهم في بلدان أخرى. وباختصار فإن وضع طالبي اللجوء اليوم أسوأ من ذي قبل وهذا يقلقنا كثيرا. ونحن لا نريد أن يعتقد المغرب أن العمل قد انتهى في حين أن المهاجرين يطلبون وسيستمرون في طلب اللجوء إلى المغرب.[19]“
إن هذا الخطاب ينم عن تدهور العلاقات بين المفوضية العليا للاجئين والسلطات المغربية وخطورة الوضع بالنسبة لطالبي اللجوء الذين وصلوا حديثا إلى المغرب.
وماذا عن الوضع فيما يخص المهاجرين غير الشرعيين؟ وفقا للمهاجرين أنفسهم والجمعيات التي تساعدهم في جهودهم فإن توفير كل الوثائق المطلوبة يعد عقبة حقيقية إذ نادرا ما يكون للناس غير المصرح بهم شهادة إيجار أو فاتورة كهرباء ناهيك عن حساب مصرفي. قدم المجلس الوطني لحقوق الإنسان يوم 7 فبراير 2015، بعد شهر من نهاية العملية، الحصيلة: على 27130 طلب، تمت الموافقة على 16180، اي حوالي %59، و ماذا عن الآخرين؟ لقد جاء الجواب في الحين:
“بعد ساعتين من نهاية الندوة الصحافية، قامت السلطات المغربية بعملية تمشيط واسعة في مخيم كوروكو، قرب مليلية المحتلة، و التي انتهت باعتقال حوالي 1200 شخص، حيث تم ترحيلهم الى مدن مختلفة اخرى: الراشيدية – كولميمة – الجديدة – اسفي – اليوسفية – اكادير – قلعة السراغنة – شيشاوة – الصويرة – تزنيت، بحسب الاماكن التي تعرفت عليهاGADEM يوم 11 فبراير 2015 “[20]
كما كان منتظرا، فبعد التسويات جاءت الاعتقالات والترحيل. و على عجل تم فتح مراكز احتجاز عشوائية وغير مناسبة، حيث تم تكديس المهاجرين الموقوفين. حددت GADEM خرطو هذه المراكز المنتشرة على طول البلد[21] :
بعد محاولة الدولة المغربية تلميع صورتها على المستوى الإنساني امام هيئات الامم المتحدة، عادت حليمة بسرعة لعادتها الدائمة : مرة اخرى بأخذ الصدارة العد الامني والقمعي.
وبجانب هذه العمليات، يشهد المغرب أيضا تضاعف الأحداث ذات الطابع العنصري و كاره للأجانب والتي يغذيها كل من سلوك الشرطة (ما لا يقل عن 6 قتلى مهاجرين في طنجة خلال مداهمات وعمليات ترحيل في العام الماضي) وحالة منافاة القانون التي وجد المهاجرون من جنوب الصحراء أنفسهم فيها، مما أدى إلى عيشهم مكدسين، و يمارسون تجارة صغيرة غير مشروعة وسط انغراس عصابات مافياوية. ومثل هذه الأحداث يمكن أن تكون ذريعة لعمليات ترحيل ضخمة جديدة.
يمكننا أن نرى بوضوح ضخامة نتائج سياسات الهجرة الأوروبية، مضافا اليها الضغط الذي يمارسه الاتحاد الأوروبي على الدول المجاورة والدول الشريكة لتولي دور حرس الحدود، على بلدان مثل المغرب، رغم أن عدد المهاجرين لا يزال معتدلا نسبيا حتى الآن. فقد أعلن الشرقي الضريس[22] أن عدد طلبات تسوية الوضعية المقدمة بلغت 25000 ملف: وهو رقم غير ذي قيمة بالمقارنة مع الـ 2.6 مليون من المغاربة الذين يعيشون في الخارج[23]. لقد تمت العودة سريعا الى سياسة العصا، بعد مدة صغيرة من الاعلان الصاخب عن سياسة الهجرة الجديدة: لقد تمخض الجبل فولد فأرا.
ملاحظة:
المقال مأخود من كتاب
اتفاقيات التبادل الحر
اتفاقيات استعمارية ضد الشعوب
تحليل لاتفاقيات التبادل الحر بين الاتحاد الأوروبي والمغرب.
سيتم تنزل الرسومات البيانية و المراجع الخاصة بالمقال أعلاه مع النسخة الكاملة للكتاب على شكل pdf