يوضح المقال/الحوار دور مؤسسة بيل و ميليندا غيتس في برامج ما يسمى “بالتنمية” في البلدان الفقيرة، خاصة وأن هذه المؤسسة تتدخل بشكل مكثف في بلدنا أيضا. يكشف المقال/الحوار الستار عن حقيقة معظم مؤسسات التنمية، ولاسيما تلك العاملة تحت كنف المؤسسات المالية العالمية، حيث أنها أدوات مساهمة في تأزيم وضع الفقراء، باستغلال فقرهم في تنمية ثروات الأغنياء. و تلتقي خلاصات المقال/الحوار مع دروسنا المستخلصة من تجربة دور التمويل الأصغر.
بيل غيتس : المحسن الذي يتصدق بيد ليستعيده بالأخرى
الملياردير بقلب كبير، بيل غيتس؟ على أي حال، هي اللازمة التي يتم ترديدها في الصحافة على الرغم من العديد من التحقيقات التي تشوه تلك الصورة الجميلة. مقابلة مع الكاتب والصحافي ليونيل أرتك، الذي يحلل طريقة عمل “الرأسمالية الخيرية” ويروي كيف يستعمل بيل غيتس مؤسسته الخيرية لإغناء الشركات.
“الملياردير المحسن”، هل تعرفونه؟ هذا التلميح البسيط للسيرة الذاتية hagiographic يكفي لاستحضار بيل غيتس، الذي كان لفترة طويلة أغنى رجل في العالم (تجاوزه الآن جيف بيزوس، على الرغم من أن ثروته قفزت الى 6.5 مليار في عام 2018). بفضل ثروة شخصية تقدر بـ 90 مليار دولار، فإن المؤسس المشارك لمايكروسوفت (في عام 1975) أغنى من خمسة وأربعين من البلدان الثمانية والأربعين في أفريقيا جنوب الصحراء … لحسن الحظ، يعرف nabob كيفية التقاسم: إنه يعد بعد وفاته بأن 95٪ من ثروته ستذهب إلى مؤسسة Bill and Melinda Gates Foundation، التي تم إنشائها مع زوجته من أجل “تحسين حياة الناس في جميع أنحاء العالم”.
يتم سرد قصص كرم الميلياردير بالإجماع تقريبًا في الصحافة، ولكن العديد من التحقيقات تكذبها و تظهر أن تصرفات المؤسسة هي في الواقع عكس ذلك. قام الكاتب والصحافي، ليونيل أرتك، المتخصص في علم البيئة، بجمعهما في كتاب بعنوان “فن الكرم الزائف: مؤسسة بيل وميليندا غيتس” (Actes Sud). يروي كيف أن بيل غيتس، بعيدًا عن صورته كسامري صالح*، لم يشيد ثروته فقط على ظهور أقرانه، وهي ثروة يحتفظ بها من خلال التهرب الضريبي، ولكن أيضًا كيف يستعمل مؤسسته لإثراء أسوأ شركات الكوكب.
يتناول كتابك صورة “المحسّن” التي يتمتع بها بيل غيتس في الرأي العام …
جاءتني فكرة هذا الكتاب عندما قرأت أحد المقالات التي لا تعد ولا تحصى الممجدة لكرم بيل غيتس. منذ تأسيسها في عام 2000، جاء في مقال نشر على صحيفة نيويورك تايمز أن ” لا احد من محسني الماضي العظام تصدق في حياته كما فعل بيل غيتس عند ال 44 سنة”. في نهاية عام 2005، تم اختياره هو وزوجته ميليندا والمغني بونو من قبل مجلة تايم ك”شخصية السنة” بسبب “العمل من أجل العدالة في العالم” [“السامريون الصالحون” ، عنوان الصحيفة نفسها، ملاحظة المحرر]. ومنذ ذلك الحين قدم في وسائل الإعلام وظهر في الصور الشعبية كرمز للكرم. بفضل بعض الاعمال الظرفية، بما في ذلك ممارسات التهرب الضريبي وخرق قانون المنافسة من طرف Microsoft، كنت أعلم أن هذه الفكرة خاطئة، لكن عندما أنجزت تحقيقي، اكتشفت وجود هوة بين الحقيقة و الواقع.
في أي سياق تم إنشاء مؤسسة غيتس؟
في فرنسا، لا نعرف سوى القليل عن الدعاوى القضائية المرفوعة ضد بيل غيتس في نهاية التسعينيات، ومع ذلك، فإن مايكروسوفت اتهمت وادينت من قبل الدولة الفيدرالية الأمريكية، بعيدًا عن كونها معادية للرأسمالية، بسبب ممارساتها الاحتكارية وضد المنافسة [الشركة الأمريكية ادينت كذلك من قبل المحكمة الأوروبية لإساءة استخدام المركز السائد، ملاحظة]. وقد تمت متابعة هذه المحاكمات في الولايات المتحدة، حيث يمكن للناس رؤية بيل غيتس وهو واقع في جرة المربى على شاشة التلفزيون. في هذه اللحظة، لتجنب فقدان ماء الوجه، أطلق مشروعه الأساسي لتلميع صورته.
سيظهر مفهوم جديدة لتأهيل الأعمال الخيرية للزوجين غيتس: الرأسمالية الخيرية. ما الذي يميزه؟
يعتبر المتطرفون مثل بيل غيتس أن الأعمال الخيرية الكلاسيكية ليست فعالة لأنها تركز بشكل كبير على العدالة الاجتماعية. إنهم يمارسون شكلاً من أشكال الفائدة من خلال تطبيق أساليب الرأسمالية، التي حققت نجاحًا ماليًا، على أعمالهم الاحسانية: قوانين التجارة ، والسوق ، والليبرالية … تنشأ بطبيعة الحال عن تضارب المصالح مع الشركات متعددة الجنسيات. المشكلة الأخرى للرأسمالية الخيرية هي أنها لا تتحدى مصدر عدم المساواة. إنها لا تجلب سوى حلولا للفقراء والمرضى والضعفاء مع بعض التنازل، بينما تعزز إنتاج هذه التفاوتات. مؤسسة Gates هي وجه هذا النظام، وهو غير مخفي: كتابي هو نتيجة مجموعة من المعلومات المتاحة – لا أقوم باستحداث أي شيء. لكنه أمر سخيف لدرجة أنه لا يصدق… كلما زاد حجمها، زاد الأمر.
كتبت أن أساس هذه الآلية هو التهرب الضريبي من قبل Microsoft…
أن تكون سخيا يعني مسبقا احترام القواعد بالفعل: لدىMicrosoft 92.9 مليار دولار من العائدات الموضوعة في الفراديس الضريبية لتجنب دفع 29.6 مليار دولار كضرائب للحكومة الأمريكية. هذه الأموال تحرم الولايات المتحدة من استعماله لتمويل التعليم ، والصحة ، والتضامن – لذلك يصارع بيل غيتس بمبادراته الخيرية. في الواقع، يبدو الأمر وكأنه يغادر المطعم دون أن يسدد ولكنه يترك علاوة ضخمة للنادل.
أول شيء نتعلمه هو أن تبرعات الزوج غيتس لا يتم توزيعها مباشرة على الأعمال الخيرية، ولكن يتم وضعها أولاً في صندوق للاستثمار في الشركات. ما هي تلك الشركات؟
يتم اختيار هذه الشركات وفقًا لفعاليتها الاقتصادية: المعيار هو المردودية. إنها شركات في قطاع الأسلحة (BAE Systems)، صناعات أحفورية (BP ، Total)، سوبر ماركت (Walmart)، خردة غذائية (ماكدونالدز، Coca-Cola) … هذه الاستثمارات هي بعيدة كل البعد عن انشغال بيل غيتس المزعوم: حماية الصحة والدفاع عن الكوكب ومساعدة الفقراء. على العكس من ذلك، فهي تغذي الآفات التي تدعي المؤسسة أنها تحاربها. عندما واجه الصحفي البريطاني مارك كورتيس مؤسسة غيتس بهذه التناقضات، بدا المتحدثون الرسميون باسمه مندهشين من الإثارة وأكدوا أنه لا يوجد رابط بين الفرق التي تعمل لصالح الجمعية الخيرية و أولئك الذين يعملون في الصندوق المدعوم من المؤسسة … كما لو لم يكن مرض انفصام الشخصية تمامًا! فقط نصيب الأرباح الوزعة من هذه الاستثمارات يتم دفعها في الاخير إلى الأسهم الخيرية.
كيف يتم استخدام هذه الأموال؟
انها تمول بشكل أساسي ثلاثة أنواع من الحملات: الصحة، الزراعة والتعليم. لكنها غالبًا ما تكون مبادرات أعمال تشكل جزءً من صندوق الاستثمار الذي تحدثنا عنه للتو. هذا يخلق العديد من تضارب المصالح: تبرعات من الشركات تستفيد منها المؤسسة التي استثمرت فيها المؤسسة… ما يدعي المحسن تقديمه من جهة، يأخذه من جهة أخرى! لإعطائك مثالاً، في عام 2014 ، كان الصندوق الاستثماري لمؤسسة غيتس يملك 538 مليون دولار من الأسهم في Coca-Cola. بالموازاة، شجعت بعض المنح المقدمة من نفس المؤسسة المجتمعات في البلدان النامية على تأسيس شركات تابعة للعلامة التجارية. كما أنها تمول مع Coca-Cola مشروعًا لإنتاج ثمار في كينيا لسلسلة التوريد للعلامة التجارية. تحت ذريعة الإحسان، تحفز مؤسسة غيتس نمو شركائها الماليين.
يقابل الكاتب والناشط البيئي النسائي Vandana Shiva عمل مؤسسة Gates بشأن البذور الزراعية مع عمل Microsoft على برامج الكمبيوتر. هل هي قابلة للمقارنة؟
عندما نعيد قراءة تاريخ بيل غيتس على ضوء ما نعرفه اليوم حول مؤسسته، ندرك ان ما يقوم به مونسانتو مع البذور، تقوم به Microsoft مع البرامج. في السابق، بقيت الاعلاميات، اعمالا ودية، تتأسس على الاستعمال الحر، التقاسم و الانتقال، كما يحدث عند مزارعي الجنوب. تولى بيل غيتس برنامجا، عدله وحصل على الحقوق الحصرية و احتكاره [أنظمة التشغيل MS-DOS ويندوز، ملاحظة]. انه أول من جعل هذه البرمجيات الحرة بالمقابل. بنفس الطريقة، يريد مونسانتو تطوير براءات اختراع البذور من أجل الربح. اليوم، تتعاون مؤسسة غيتس مع باير، شركة مونسانتو للتبشير ب “المقاربات الكيميائية الجديدة” و “حماية المحاصيل البيولوجية”، وهذا يعني، تشجيع بيع مواد الزراعية الكيميائية والمحاصيل المعدلة وراثيا في بلدان الجنوب. واحدة من الشركات التابعة للمؤسسة في أفريقيا،Alliance for a green Revolution in Africa (AGRA)، تتدخل لتقديم الثورة الخضراء على مستوى الدول و الموزعين الزراعيين. هدفها هو تحويل الزراعة الافريقية الطبيعية، حيث 80٪ من البذور من انتاج ذاتي، الى زراعة كيميائية مكثفة. أعتقد أن بيل غيتس يعتقد انه يحسن صنعا: إنه تقني متفائل، انه مقتنع بأن الحل سيأتي من التكنولوجيا، وبالتالي من الشركات متعددة الجنسيات.
هل تشيد ببعض تصرفات الزوج غيتس و مؤسسته؟
يمكننا أن نعترف لهم بشيء واحد: لقد كانوا عنيدين في معركتهم ضد شلل الأطفال. إذا ما تم القضاء عليه تقريبًا، فذلك بفضلهم جزئيا على الرغم مرة أخرى، من اساليب تركز على المختبرات الأمريكية، متجاهلة العمل الميداني الذي قام به الخبراء في البلدان المعنية. أراد بيل غيتس بأي حال من الأحوال استئصال شلل الأطفال، على سبيل الرمز، في حين أن الأطباء يدافعون على السيطرة عليه: الحالات الأخيرة يصعب علاجها وتعبئ الكثير من الموارد ، الى حد الغضب. وفي الوقت نفسه، يتم تجاهل امراض أخرى، مثل الحصبة، الأكثر فتكا.
هل من الممكن مراقبة أهمية المشروعات الممولة من المؤسسات؟
هنا تكمن مسؤولية تدخل الدول: من الناحية القانونية، المؤسسات ليست مسؤولة أمام أي شخص عن ممارساتها. إنها ليست مسألة تحدي العمل الخيري بشكل عام – تم اقرار قوانين تناسب مؤسسات صغيرة الحجم ولم تتوقع مثل هذه العملاقة. إن مؤسسة مثل مؤسسة غيتس التي تبلغ قيمتها 50 مليار دولار، أكثر من بعض الدول، تثير تساؤلات حول الحكامة. ومحسن مثل بيل غيتس، الذي يتمتع بقوة أكبر من الدنمارك أو بلجيكا، يعد مشكلة ديمقراطية. إنه في وضع متميز للتصرف: لا يتم فحصه، مثل الدول، من قبل المنظمات غير الحكومية أو المواطنين أو الهياكل القانونية. لديه يده الحرة للحفاظ على السلطة في الستة والعشرين الاكثر غنى و التي تهيمن على الكوكب [يملكون ما يملكه 3.8 مليار شخص ]، والتي تشكل قبل ذلك، مصدر المشكلة.
* السامري الصالح في إنجيل لوقا الإصحاح العاشر والذي فيه أوضح أن هذا السامري قدم المعونة والحب لشخص عدو (يجوز أن يكون يهوديًا) كان اللصوص قد عروه وجرحوه وتركوه بين حي وميت، فلما رآه هذا السامري تحنن وتقدم وضمد جراحاته وصب عليها زيتا وأتي به إلي الفندق واعتني به. من ويكيبيديا.
حوار انجزه رومان جونتيكو و نشر بتاريخ 4 أبريل 2019
ترجمة لجنة الإعلام
أطاك المغرب