ازدهار و هبوط مفاجئ؟

أشرت في آذار (مارس) الماضي إلى أن الاقتصاد العالمي يبدو في عالم خيالي حيث وصلت أسواق الأسهم إلى مستويات جديدة، لكن إنتاج السلع ، الخدمات، الاستثمار والتجارة  راكدة في الاقتصادات الكبرى. هذا الأسبوع، سجلت الأسهم الأمريكية مرة أخرى ارتفاعات جديدة. كما وصفت الفاينانشيال تايمز: “يبدو أن الاقتصاد الأمريكي يستفيد من السيناريو الرائع لشركة الكولديلوكس. عصيدته  ليست ساخنة جدا ولا باردة جدا.

يعتمد هذا الانتعاش في الأسواق المالية على قرار العديد من البنوك المركزية بالإبقاء على معدلات الفائدة الرئيسية عند مستويات منخفضة للغاية. أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشكل أساسي أنه لن يرفع سعر الفائدة هذا العام. فعل البنك المركزي الأوروبي الشيء نفسه وقرر الشروع في مرحلة جديدة من التيسير الكمي (شراء السندات الحكومية وغيرها من الأصول من البنوك التجارية). واليوم ، وعد بنك اليابان بعدم رفع أسعار الفائدة حتى ربيع عام 2020، حيث واصل برنامج التحفيز النقدي الضخم.

شجعت سياسة البنك المركزي، وكذلك آفاق صفقة التجارة بين الولايات المتحدة والصين (التي لم تتحقق بعد)، المؤسسات المالية مرة أخرى على الاستثمار في أسواق الأسهم. لكن المحرك الرئيسي لسوق الأسهم الأمريكية كان الشركات الكبرى التي تستخدم هذا التمويل الرخيص لإعادة شراء أسهمها من أجل زيادة السعر وزيادة “القيمة السوقية” للشركة. في عام 2018، وصلت عمليات الاسترداد إلى 1.18 مليار دولار، أي ضعف المبلغ المستثمر (بعد تغطية المعدات المستخدمة) في الطاقة الإنتاجية (المصنع، المكاتب، المعدات، البرامج ، إلخ).

إذن الأسواق المالية مزدهرة، لكن الاقتصاد “الحقيقي” يعاني. إن الانتعاش الذي حدث منذ نهاية الركود العظيم في منتصف عام 2009 على وشك بلوغ عامه العاشر هذا الصيف، مما يجعله أطول فترة تعافي منذ الأزمة التي استمرت 75 عامًا. ولكنه أيضًا أضعف تعاف منذ عام 1945. ولا يزال نمو اتجاه الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والاستثمار التجاري أقل بكثير مما ان عليه قبل 2007. ولهذا السبب اعتبرت السنوات العشر الأخيرة من الانهيار الكبير، يماثل فترات من 1873 إلى 1929-1942.

وراء خيال الأسواق المالية، تباطأ النمو العالمي. والاسوأ من ذلك، يبدو أن العديد من الاقتصاديات تتجه نحو الركود التام. اليوم، عانت كوريا، القوة الآسيوية ، من أسوأ انكماش فصلي لها منذ الأزمة المالية العالمية (انخفض إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في كوريا إلى 1.8٪ فقط)، في حين أن هذا الاقتصاد الذي يحركه التصدير كان يعاني من آثار أزمة ضعف النمو الصيني والتوتر التجاري العالمي والتباطؤ في قطاع التكنولوجيا.

تتجه الصادرات، التي تمثل حوالي نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، إلى الانخفاض الشهري الخامس على التوالي، بانخفاض 2.6 ٪ على أساس فصلي. وانخفض الاستثمار في الأعمال بنسبة 10.8٪، وهو أسوأ أداء منذ الأزمة المالية الآسيوية في عام 1998، حيث امتنعت كبرى الشركات المصنعة مثل Samsung Electronics و SK Hynix عن زيادة قدرتها في مواجهة التباطؤ الاقتصادي العالمي و انخفاض الطلب على شبه- الموصلات.

والأسوأ من ذلك أن العديد من الاقتصادات الناشئة المزعومة تعاني من انكماشات حادة. بعد الهزائم البارزة للرئيس أردوغان في الانتخابات المحلية في اسطنبول وأنقرة، اضطر البنك المركزي التركي لدعم احتياطيات الدولار، التي تتضاءل بسرعة، وذلك باستخدام “مقايضات بالدولار”، والحصول على القروض. مخاطر عالية على المدى القصير. كان عليه أن يفعل ذلك بسبب تهريب الدولار من البلاد مع تدهور الاقتصاد ورفض أردوغان الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتعزيز موارده المالية لأن هذا من شأنه أن ينطوي على فرض تدابير تقشفية شديدة. هبط مبلغ صافي الأصول الأجنبية،  انهار احتياطي البلاد من العملة الصعبة، ب 9.4 مليار دولار بين 6 و 22 مارس ليستقر عند 19.5 مليار دولار ، وهو أدنى مستوى  له من الدولار الامريكي منذ2007. باستثناء الأصول، بلغ صافي الأصول الأجنبية أقل من 11.5 مليار دولار في شهر أبريل، مقارنة بـ 28.7 مليار دولار في بداية مارس على نفس الأساس.

دخلت الأرجنتين في عمق الركود في عام 2018 تحت حكم الرئيس اليميني ماكري. عندما انتخب في ديسمبر 2015، قال إن سياساته الاقتصادية “النيوليبرالية” ستجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتؤدي إلى زيادة مطردة في الإنتاجية. أبرزت الأزمة المالية التي اندلعت في أبريل 2018 فشل هذا النهج السياسي.

على عكس تركيا، سعى Macri للحصول على قرض بقيمة 57 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وهو الأكبر في تاريخه، مما يدل على وجود تحيز واضح من جانب صندوق النقد الدولي لمساعدة الحكومة التي يقوم بتفضيلها بمعية الولايات المتحدة على الحكومة البيرونية الاشتراكية الديمقراطية السابقة. يتم استخدام المال لتسديد الديون في وقتها. لم يتبق سوى ستة أشهر حتى الانتخابات، وشروط اقتراض صندوق النقد الدولي تثقل كاهل الإنفاق الحكومي وتزيد العبء الضريبي.

 الاستثمار راكد، وتضخم مرتفع وارتفعت أسعار الفائدة التي فرضها البنك المركزي على رأس المال المضارب على المدى القصير، المدعو “الأموال الساخنة”. من المرجح أن ينعكس رأس المال مع أزمة جديدة. في العام المقبل، سيكون حجم الدين الخارجي الذي سيتم سداده في أقصى حدوده، وسيتعين التسديد لصندوق النقد الدولي أيضًا. ستواجه الحكومة الجديدة بعد ذلك خيارين غير سارين: القيود المتزايدة على مدفوعات الديون، والمزيد من التقشف والمزيد من الركود، أو إعادة الهيكلة المؤلمة للديون مع نتائج غير مؤكدة.

وهناك باكستان. هذا هو ما يسمى بالاقتصاد الناشئ حيث تلاشى رأس المال لتمويل النمو الاقتصادي والاستثمار. حتى الآن، رفضت الحكومة الجديدة بقيادة عمران خان، كابتن الكريكيت للمنتخب الباكستاني السابق المنتخب على أساس برنامج مكافحة الفساد، الاقتراض من صندوق النقد الدولي لنفس الأسباب التي رفضتها تركيا. حاول وزير المالية، أسد عمر، الحصول على قروض جديدة من الصين والشرق الأوسط، مما أثار غضب الولايات المتحدة. لكن ذلك لم يكن كافياً لمنع حدوث انهيار محتمل آخر للعملة. بلغ معدل التضخم في باكستان أعلى مستو له في خمس سنوات، متجاوزًا 9٪، بينما انخفضت قيمة الروبية بنسبة 33٪ منذ عام 2017.

ترجمة : لجنة الإعلام 

أطاك المغرب

الرابط الأصلي للمقال