مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء، تحت نير الرأسمال الفلاحي بالمغرب
مقدمة
وصل معظم مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء إلى المغرب عبر مسارات مليئة بالمغامرات. فبعد فشل خططهم بالوصول إلى نقطة “الخلاص” هناك شمال المتوسط، حيث البرجوازيات المسيطرة بالغة الثراء، تحول البلد الذي كان مجرد نقطة عبور، إلى محطة استقرار اضطراري واقامة شبه دائمة، بانتظار فرصة مواتية لمواصلة الرحلة باتجاه أوربا. يعيش هؤلاء الكادحون في كيتوهات بعديد من مدن المغرب، وغالبا ما يبيتون في العراء ويتعرضون لشتى صنوف الاضطهاد والحرمان والاستغلال. يرسمون صورا مؤلمة لواقع مرير عنوانه الحط بالكرامة الانسانية. هم في بحث دائم عن سبل البقاء على قيد الحياة، عن فرص عمل هش يتماشى ووضعيتهم غير النظامية. لذلك تجدهم دائمي التنقل و الحركة بين المداشر و المدن بحثا عن تلك الفرص. وفي السنتين الأخيرتين[1] انضاف إلى هذه الأنشطة المتنوعة التي يزاولها المهاجرون، العمل بالضيعات الفلاحية كيد عاملة زراعية تعرض قوة عملها بسوق الشغل، إلى جانب اليد العاملة الزراعية المغربية، والعمل بالصفة غير القانونية بالضيعات الرأسمالية.
هشاشة مُستغًلة في التضييق على العمل النقابي
يقبل أرباب العمل بمنطقة خميس أيت اعميرة (سوس/أكادير) على تشغيل مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء بكثافة، في استغلال قرسطوي لوضعهم كمهاجرين “غير شرعيين”. يحدث هكذا استغلال في ظل قانون شغل يشترط حصولهم على تراخيص من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل. تسلم هذه التراخيص على شكل تأشيرات توضع على عقدة الشغل.[2] ما يفيد المنع القانوني لتشغيل الأجانب الفاقدين لصيغ قانونية تمكنهم من إمضاء العقود. مع ذلك، يتمتع الرأسمال الفلاحي الكبير بكامل الحرية في استغلال قوة عملهم خارج تلك المساطر القانونية.
يحدث هكذا تشغيل بالمنطقة وقت تزايد جيش احتياطي كبير من اليد العاملة المغربية الجاهزة للعمل بصورة دائمة ومتواصلة بمختلف الضيعات. يمكن البرهنة على ذلك بارتفاع نسبة البطالة التي تتغذى محليا بالأمية و الهدر المدرسي؛ إذ يبلغ معدلها 7.0% في المجموع حسب إحصاء 2014. ويرتفع هذا المعدل وسط النساء إلى 9.8%[3].وتعاني أغلبية السكان حسب الفئة العمرية 10 سنوات فما فوق، من مستوى تعليمي ضعيف جدا؛ إذ إن 50,20% بدون مستوى تعليمي.[4] ويلتحق جزء كبير على ما يبدو من هؤلاء الذين لم يلجوا المدرسة، أو يغادرونها دون شهادات، بالاستغلاليات الفلاحية كعمال زراعيين. ينضاف إلى هذه المؤشرات المرتبطة بالبطالة والتعليم -كمؤشرات دالة على توفر المنطقة على احتياطي مهم من اليد العاملة الجاهزة للعمل بالضيعات الفلاحية، مؤشر الهجرة الداخلية، كعنصر ضروري في سلسلة الإنتاج الزراعي، بتوفيرها لموارد بشرية تشكل قاعدة الفلاحة بالمنطقة. ويمثل السكان الوافدون على المنطقة 48% (كنسبة) من مجموع السكان حسب دراسة أجريت حول الأوضاع الاجتماعية بالجماعة سنة 2007.[5] لكن رغم وجود احتياطي مهم من اليد العاملة المغربية، كما دلت على ذلك المؤشرات السابقة، فإن الاستغلاليات الفلاحية بالمنطقة تقبل على تشغيل مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء بكثافة ملفتة.
تجرنا هذه المعطيات إلى التساؤل حول سبب اللجوء إلى جيوش احتياطية إضافية من مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء بالمنطقة. بهذا الصدد، يصرح الطوش محمد، 40 سنة، عامل بشركة سانجيطا، عضو بالمكتب النقابي للشركة وعضو كذلك بالنقابة الوطنية للعمال الزراعيين:
” ليست الحاجة إلى اليد العاملة هي ما يدفع الباطرونا إلى تشغيل عمال افريقيا جنوب الصحراء، عكس ذلك تماما هناك جيش احتياطي مهم من اليد العاملة المغربية. ما يدفع الباطرونا لتشغيل المهاجرين هو كسر النضالات ووحدة العمل النقابي. العمال المغاربة مؤخرا أصبحوا ينظمون أنفسهم ويؤسسون نقابات لتحسين ظروف عملهم. خلق هذا مشاكل للباطرونا، لكن الأخيرة وجدت العمالة المهاجرة يدا طيعة، لا تحتج، تنفذ ما يطلب منها ، لا تناقش الأجرة، تشتغل لساعات إضافية وقت الحاجة.”كيخدمو حتى كيقولو ليهم باراكا عليكم” هذا بالضبط ما يسيل لعاب المستثمرين ويحفزهم باضطراد لتشغيل المهاجرين”.
ويضيف “وايرو”51 سنة، متزوج، من الكوديفوار، في نفس السياق :
” أشتغل في كل شيء. أنفذ ما يطلب مني دون قيد أو شرط. فأنا محتاج للعمل، لذلك لا مجال عندي لفرض أية شروط. اشتغل 8 ساعات في اليوم و قد أتجاوزها إذا ما دعت الضرورة. لا أتمتع هنا بأية حقوق، وليس من حقنا الانخراط في أي عمل نقابي”
نفهم من تصريح المستجوَب النقابي والعامل الإفواري أن إقبال أرباب العمل على مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء سببه وجود حركة نقابية يسعى المستثمرون لإضعافها. ونظرا لأن اليد العاملة المهاجرة في وضع لا يسمح لها بمزاولة العمل النقابي تبعا للقانون، إضافة إلى كونها في حاجة للشغل، وتقبل العمل دون المطالبة بالحقوق، فإن هذا ما يؤدي حسب ” الطوش محمد” إلى كسر شوكة العمال المغاربة الذين صاروا أكثر تنقيبا بالمنطقة. ويضيف النقابي الطوش محمد:
“الباطرونا تستغل المهاجرين كمرحلة لكسر وتيرة العمل النقابي بالمنطقة، ثم ستتخلى عنهم بحكم أن المغاربة من حيث المردودية يعملون بصورة أفضل. مؤخرا أشهر الشركات الفلاحية بالمنطقة وأكبرها، شركة ديروك التابعة لمجموعة بناني سميرس، أضحت بدورها تشغل المهاجرين القادمين من السينغال، والسبب وجود نقابة تحظى بالتفاف عمالي مؤثر.”
حاولنا فهم المعطى النقابي كمؤشر على إقبال أرباب العمل على مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء من خلال أراء أخرى محايدة إزاء زاوية النظر النقابية. يتعلق الأمر بمستجوَبِين أكثر قربا من أرباب العمل، ولا علاقة لهم بأي عمل نقابي. يتعلق الأمر بآراء وسطاء ومسؤولين. في هذا السياق يصرح المنصوري، 57 سنة، كابران بشركة ديروك التابعة لبناني السميرس:
“أشتغل بهذه الضيعة منذ ما يزيد عن 20 سنة. مؤخرا بدأنا نشغل المهاجرين منذ سنة تقريبا. تشغل ضيعتنا حوالي 200 مهاجر، وأنا مسؤول عن حوالي 24 منهم: “إنهم لا يطالبون بالحقوق. ينفذون كل ما يطلب منهم دون مشاكل. إنهم يتميزون عن المغاربة، كونهم مسالمين ولا يثيرون الشغب.”
تعبر هذه الشهادة من مسؤول بضيعة فلاحية، ضمنيا، عن كون تفضيل تشغيل المهاجرين مرده لعدم مطالبتهم بالحقوق. كما أن كلمة ” الشغب” تحيل في مخيال المغاربة المتكلمين من موقع المسؤولية، على النضال والاحتجاج على المسؤولين. لذلك يشمل الجهاز الأمني المغربي فرقا أمنية تحت اسم “فرق مكافحة الشغب”، أي التصدي لكل أنواع الاحتجاجات والمطالبة بالحقوق. يوظف هذا المسؤول الكابران كلمة “الشغب” كإحالة على كل ما هو نقابي، إذ يراه مرفوضا وغير مقبول، فيرى في تشغيل المهاجرين بديلا عن المغاربة الذين صاروا في السنوات الأخيرة أكثر ميولا للانخراط بالنقابة والمشاركة بالنضال.
تبين هذه المعطيات أن إقبال أرباب العمل على تشغيل مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء مرتبط بتسارع في وتيرة التنقيب بالمنطقة، ما لا يخدم جشع المستثمرين الفلاحيين، فكان لابد لأرباب العمل من البحث عن يد عاملة طيعة، أكثر هشاشة وتقبل العمل في جميع الظروف، خاصة وقت الذروة؛ حيث الحاجة لجهد أكبر وتنازلات أوسع من قبل العمال لفائدة أرباب العمل.
خلاصة
يوفر مهاجرو إفريقيا جنوب الصحراء هوامش ربح كبيرة للرأسمال الفلاحي بالمنطقة. يستغل الرأسمال أوضاع هؤلاء بوصفهم مهاجرين يعانون استغلالا متعدد الأبعاد. ولا يتردد أرباب العمل في استثمار حاجة هؤلاء المهاجرين الماسة للعمل لإذكاء الصراعات والمنافسة في صفوف العمال، مغاربة كانوا أم أجانب. يفرض هذا الواقع الجديد على الحركة النقابية إعادة النظر في ترتيب أولوياتها؛ إذ صار من المفروض عليها أمام تنامي توافد مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء على الضيعات الفلاحية للعمل ، إيجاد الصيغ اللازمة لكسب هذه الشريحة لتعزيز قوة العمال وضمان وحدتها النضالية. فبقاء هؤلاء العمال خارج اهتمام التنظيمات النقابية، قد يخلق صدامات بين أبناء نفس الطبقة المستغَلة، ما يساهم، دون أدنى شك، في استقرار أرباح الرأسمال الفلاحي وتنميتها.
بقلم: ربيعة الهواري
[1] أشارت تصريحات بعض المستجوبين أن تواجد المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء و دول الساحل اصبح باديا للعيان خلال سنتي ( 2018-2019).
[2]راجع المادة 516 من مدونة الشغل.
[3]تقرير عام حول منطقة خميس أيت عميرة ثم الحصول عليه من الجماعة القروية للمنطقة.
[4]-المرجع نفسه.
[5]المرجع نفسه