الضرائب لمصلحة من ؟ قراءة في الاقتصاد السياسي للضرائب بمصر
يسلط كتاب ” الضرائب لمصلحة من؟ “، الضوء على النظام الضريبي في مصر، عبر زوايا بحثية مختلفة، وينبش في تاريخ الاقتصادي السياسي للبلد. الكتاب من تأليف مجموعة من الباحثين المصريين، صدر سنة 2019 عن دار المرايا.
تواصل موقع الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية CADTM، مع الكاتب محمد جاد، أحد المساهمين في الكتاب، وكان لنا معه الحوار التالي:
-
هل يمكنك اعطائنا فكرة مختصرة حول مضمون كتابكم الجديد : الضرائب لمصلحة من ؟
يحاول الكتاب أن يعيد قراءة النظام الضريبي في مصر من ثلاث زوايا، الأولى تتعلق بالسؤال الرئيسي ( مصلحة من ؟ ) وفي محاولة للإجابة على هذا السؤال بحثنا في تاريخ الضرائب في مصر منذ القرن التاسع عشر إلى الوقت الراهن وحاولنا أن نصل لتفسيرات حول قدرة جماعات ضغط وطبقات اجتماعية مختلفة على توجيه النظام الضريبي في مصر.
لقد بدأت مصر في الدخول إلى مجال ضرائب الدخل في 1939 وهو توقيت متأخر نسبيا مقارنة بالبلدان المتقدمة، وبدأت في سياسات الضرائب التصاعدية منذ الأربعينات، بجانب تبني ضرائب المواريث.
وتصاعدت ضرائب الدخل والمواريث بشكل قوي خلال الخمسينات والستينات، لكن تجربة هذين العقدين أظهرت ضعف قدرة الدولة على جمع الإيرادات، فقد ظلت ضرائب الدخل التصاعدية (المعروفة بالضريبة العامة على الإيراد في هذا الوقت) وضرائب المواريث يمثلان حصة هامشية في مجمل الإيرادات الضريبية.
كما تناولنا نموذجين معاصرين من واقعنا الضريبي الراهن ووضعناهما تحت المجهر، وهما ضرائب شركات البترول والضرائب العقارية، لدراسة قدرة جماعات المصالح على التأثير على انحيازات النظام الضريبي في هذين المجالين.
أما الزاوية الثانية التي سعينا لأن نقرأ النظام الضريبي المصري من خلالها هي الزاوية المؤسسية، وفي هذا الصدد سعينا لدراسة تطورات الجهاز الضريبي خلال العقود الأخيرة وصراعه مع الشركات الدولية في مسألة التجنب الضريبي، وكيف تقدر هذه الكيانات على خداع جهازنا الضريبي وتضليله بفضل تفوقها في المجال المحاسبي.
كذلك ألقينا نظرة سريعة على أحوال موظفي الضرائب وكيف تسهم بيئة عملهم وظروفهم الوظيفية في التأثير على قدرتهم على أداء دورهم الوظيفي.
وأخيرا تعلقت الزاوية الثالثة من الكتاب بالاقتصاد الكلي، وكيف حدت عوامل هيكلية في اقتصادنا المصري من قدرته على التوسع في الاعتماد على ضرائب الدخل، وكيف تدفعه تلك العوامل للاعتماد بشكل أكبر على الضرائب غير المباشرة بالرغم من آثارها الاجتماعية السلبية.
وتمثل الحصيلة الضريبية في مجملها تمثل 13.9% من الناتج، وهي قيمة متواضعة قياسا بحجم التزاماتنا التمويلية. حيث يقول الاقتصادي الفرنسي توماس بيكتي إن “كل التجارب التاريخية توضح أنه في ظل إيرادات ضريبية 10-15% (من الناتج) لا يمكن للدولة أن تقوم بأكثر من الوظائف السيادية التقليدية: فبعد الإنفاق على الشرطة والعدالة بشكل ملائم لأداء سليم لن يتبقى الا الفتات لتمويل التعليم والصحة” .
-
الضرائب لمصلحة في مصر؟ و كيف يمكن أن نربط بين تحصيل الضرائب و المديونية الخارجية في مصر ؟
الديون والضرائب موضوعان يقترن كل واحد منهما بالآخر، عندما تتاح للدولة مصادر للاستدانة تكون أقل احتياجا لجمع الضرائب، والديون مصدر مغري للتمويل لأنه لا يقترن بالمسائلة السياسية من الشعب مثل الضرائب، فهو أشبه بمصادر الدخل المحققة من الريع.
وفي الحالة المصرية قامت الدولة بالفعل بالتوسع بقوة في الاستدانة الخارجية خلال عقدي السبعينات والثمانينيات حتى أوشكت على الإفلاس، وبدءا من التسعينات نقلت أعباء ديونها إلى الدين المحلي بدلا من الخارجي، ولا يعني ذلك الانتقال للاعتماد على الموارد المحلية دون الخارجية إذ ظل للمستثمرين الأجانب دورا رئيسيا في تمويل الدين المحلي.
وفي هذا الإطار تعد الديون أحد القضايا التي تفسر محدودية الدور الضريبي في مصر.
-
ترتهن البلدان العربية الريعية على عائداتها الأرضية ( نفط وغاز ومناجم…الخ) ، أكثر من عائدات الضرائب هل يعني هذا أن الدولة يمكنها التراجع عن التزاماتها تجاه المجتمع ؟
هناك عوامل يمكن اعتبارها بمثابة مثبطات لعملية تنمية الموارد الضريبية، ترتبط تلك العوامل بقدرة الدولة على جمع إيرادات من خلال الريع ( أي مصادر الدخل المرتبطة بالطبيعة) والمنح الخارجية.
فـ “الاعتماد على الموارد الطبيعية والأشكال الأخرى من الريع يؤدي لانقطاع عملية بناء المؤسسات”.
وهناك العديد من الأمثلة الإقليمية المشابه للحالة المصرية ( بدرجات متفاوتة ) في هذا المجال فـ مع صعود الاقتصاد الريعي في السبعينات قائما على البترول في حالة السعودية والمعونة وتحويلات العاملين في حالة اليمن انتكست عملية بناء الدولة من حيث التطوير المؤسسي لتعزيز القدرة على جمع الضرائب.
وقد كانت المعونات تمثل نسبة مهمة من الإنفاق الحكومي في مصر خلال فترات غير قليلة من العقود الأخيرة.
ويلعب قطاع النفط دورا رئيسيا في الاقتصاد المصري، مثل نشاط الاستخراجات الذي تهيمن عليه الاستخراجات البترولية نحو 10% من الناتج الإجمالي في 2017-2018 وتمثل رسوم قناة السويس نحو 26.5% من متحصلات ميزان الخدمات المصري.
-
ما هو تفسيركم كون فئة الاجراء هي التي تدفع الضرائب، بصورة منتظمة وبشكل كامل ؟ وكيف يمكنكم شرح المسألة بالملموس في مصر ؟
لقد عجزت الدولة على مدار العقود الماضية عن حل العديد من المشكلات المزمنة في نظامها الضريبي، مثل جمع ضرائب دخل من المهنيين ( كالأطباء والمهندسين ) تعبر فعلا عن حقيقة الأرباح التي يحققونها، ويتعلق جزء من هذه المشكلة بصعوبة تتبع دخل المكاتب المهنية، وقد ترتبط ايضا بغياب الكيانات التي تتولى التفاوض باسم المهنيين مع الدولة على صياغة سياسات مرضية للطرفين.
هذا بجانب استمرار القطاع غير الرسمي في التوسع بشكل يقوض من قدرة الدولة على زيادة الإيرادات الضرائب المباشرة.
وبالرغم من تجميد مبارك لضرائب الثروة، فقد حاول في 2008 أن يعيد واحدة منها إلى الحياة وهي الضريبة العقارية، لكن محاولات التوسع في تطبيق الضريبة اصطدمت بمقاومة الفئات المؤثرة على صناعة القرار.
وإزاء هذه المشكلات كانت الدولة تعتمد في إيراداتها من الضرائب المباشرة بشكل كبير على أسهل المصادر التي تستطيع أن تجمعها، وهما تحديدا الضرائب من الجهات التابعة للدولة والضرائب على المرتبات التي تعتمد أيضا بشكل كبير على ضرائب العاملين لدى الدولة، بجانب اعتمادها القوي على الضرائب غير المباشرة التي تتسبب في زيادة الضغوط المعيشية على المواطنين من الطبقات الوسطى والدنيا.
-
هل من آليات ديمقراطية أو شعبية لضمان تحصيل الضرائب على أصحاب الرساميل الكبيرة ومحاربة التهرب الضريبي؟
اتجهت الدولة بقوة في عهد وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالي لتطبيق إصلاحات مؤسسية بهدف جمع حصيلة ضريبية أكبر، لا يعني ذلك أنها كانت تعود بالنظام الضريبي للطابع التوزيعي الذي شهدته بين الأربعينات والستينات، بالعكس اتسمت حكومة غالي بالطابع النيوليبرالي، لكن الحاجة للموارد لسد العجز جعلت من انضباط المنظومة الضريبية ضرورة ملحة.
وبالرغم من مساعي الجهاز الضريبي لمواكبة التطورات الجارية في الاقتصادين المحلي والأجنبي، إلا أنه لا يزال يواجه معركة شرسة مع ممارسات التجنب الضريبي المتعددة، تستغل فيها كيانات الأعمال الكبرى خبراتها المحاسبية لتطبيق حيل متجددة لتجنب دفع الضريبة.