أدى وباء كوفيد-19 إلى تعميق المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، والتي تتداخل مع مشاكل انخفاض أسعار النفط منذ مارس 2020، في حين استفادت الأنظمة الاستبدادية في كثير من الأحيان من إجراءات الطوارئ الصحية لتعزيز قمع النشطاء وحركات الاحتجاج.

انتهزت دول عديدة فرصة الأزمة لفرض تدابير تقشف (جديدة). في المملكة العربية السعودية، واجه السكان تخفيضات في الدعم، مع إلغاء الميزانية المخصصة لتكاليف المعيشة، وارتفاع في الضرائب بسبب الزيادة الحادة في الضريبة على القيمة المضافة من 5 إلى 15 ٪. في الوقت نفسه، لم يمنع ذلك صندوق الثروة السيادية للمملكة السعودية من استثمار أكثر من 8 مليارات دولار منذ بداية أزمة كوفيد -19 في عمالقة الاقتصاد العالمي، من بوينج إلى فيسبوك.

تمتلك المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى بالفعل موارد مالية هائلة للاعتماد عليها، مما يسمح لها بالتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.

الأزمة الاقتصادية والاجتماعية

ومع ذلك، فإن الاثر على البلدان المصدرة للنفط ذات الكثافة السكانية الكبيرة والبلدان الأخرى، أعمق بكثير مع تفاقم مشاكلها الاقتصادية العديدة.

في بعض البلدان مثل سوريا وإيران ولبنان، وصلت العملات الوطنية إلى أدنى مستوياتها مع انهيار غير مسبوق، مما أثر بشكل كبير على القدرة الشرائية للطبقات الشعبية. أعلنت الحكومة اللبنانية في مارس/ آذار أنها تخلفت عن السداد. تغرق البلاد في ديون تبلغ 81 مليار يورو – أو حوالي 170٪ من ناتجها المحلي الإجمالي. وتجاوزت نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر 50٪، وهو رقم يقدر بنحو 30٪ قبل أزمة كوفيد -19. كما أعلن العراق عن إجراءات تقشفية وخفض الأجور والمعاشات. يعتمد اقتصاد البلد على مبيعات الهيدروكربونات، والتي تمثل 99٪ من صادرات البلاد و93٪ من عائداته. وفقًا للبنك العالمي، قد تكون سنة 2020 أسوأ عام للعراق منذ الغزو والاحتلال الأمريكي عام 2003.

في سوريا، تجاوز معدل الفقر الآن 90٪ وتواجه أزمة إنسانية عميقة حيث يحتاج 11.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية. في اليمن، أصبح الفقر، الذي كان يؤثر على نصف السكان البالغ عددهم 29 مليون نسمة قبل النزاع، يشمل الآن 71 إلى 78٪ من السكان، مع أكثر من 80٪ من السكان على شفا المجاعة و 14.3 مليون محتاج لمساعدة عاجلة. والنساء هن الأكثر تضررا. في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من المتوقع أن يرتفع عدد الأسر الفقيرة إلى 30٪ في الضفة الغربية و 64٪ في غزة، مقارنة بـ 14٪ و 53٪ قبل انتشار الوباء. في الوقت نفسه، تواصل دولة إسرائيل العنصرية والاستعمارية محاولاتها لضم مناطق واسعة من الضفة الغربية.

 الهجوم على العاملات والعمال

هناك مسألة أخرى يجب مراعاتها وهي بنية القوى العاملة في العديد من هذه البلدان. لم تكن إجراءات حالة الطوارئ الصحية التي فرضتها غالبية الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خيارًا قابلاً للتطبيق بالنسبة للغالبية العظمى من الطبقات الشعبية والفقيرة. فهذه الأخيرة تعمل في القطاع غير المهيكل أو تعتمد على أجور يومية غير مؤكدة دون أي حماية اجتماعية.

يجب علينا أيضًا أن نأخذ في الاعتبار هشاشة القطاعات العمالية الأخرى. ففي الواقع، شهد العديد منهم انخفاضًا هائلاً في أجورهم بسبب عدم وجود أنظمة اجتماعية متقدمة تسمح بتعويضات مالية كبيرة.

وبالمثل، في العديد من بلدان الشرق الأوسط، كانت العاملات والعمال الأجانب الخاضعون لأنظمة “الكفالة”، التي تحرمهم من حقوقهم المدنية وحقوق الإنسان الأساسية، هدفا لحملات عنصرية، وسجنوا في مراكز الاحتجاز و/ أو تم ترحيلهم بشكل غير قانوني إلى بلدانهم الأصلية. وتم التخلي عن هؤلاء الأشخاص تحت رحمة وباء كوفيد-19، دون أي رعاية طبية.

هناك عنصر أخير وجب مراعاته متمثل في الطبيعة العالمية للوباء الذي يؤثر سلبًا على الاقتصاد الدولي بمجمله، وبالتالي على الأموال الخارجية المرسلة إلى عديد من البلدان. انخفض حجم التحويلات التي يرسلها العاملات والعمال الذين يعيشون في الدول الأجنبية، وخاصة في دول الخليج، بشكل كبير بسبب التخفيضات والركود على نطاق واسع في قطاعات الاقتصاد وإغلاق الحدود.

 حركات احتجاجية مستمرة لكن لديها صعوبات

سمحت الجائحة لدول المنطقة بفرض إجراءات الحجر، ليس لأسباب صحية أو بدافع الرغبة في حماية صحة الطبقات الشعبية، ولكن لوضع حد للحركات الاحتجاجية. فقد استهدفت السلطات الاستبدادية وسائل الإعلام واعتقلت النشطاء الذين شككوا في التقارير الرسمية عن الإصابة بفيروس كورونا، في حين تلوح بالتهديد بفرض غرامات باهظة وأحكام بالسجن على منتهكي/ات إجراءات الحجر.

ومع ذلك، عادت المظاهرات وأنشطة المقاومة الشعبية، وتعيد تأكيد مطالبها بتغييرات جذرية في مواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة وضد تعزيز السياسات الاستبدادية.

في سوريا، اندلعت احتجاجات شعبية في مناطق السويداء ودرعا وكذا في أطراف العاصمة دمشق في مدينة جرمانا، للتنديد بغلاء المعيشة والمطالبة بإسقاط نظام الأسد ورحيل حلفائه روسيا وإيران. وكان الشعار الرئيسي للمتظاهرين/ات هو “نريد أن نعيش” كمطلب لمزيد من العدالة الاجتماعية والديمقراطية.

في تونس، أضرب عشرات الآلاف من العاملات والعاملين في قطاع الصحة في 18 يونيو للمطالبة بتحسين تدبير المستشفى العمومي، ومزيد من الاستثمارات، وتحسين ظروف العمل. وتتواصل التعبئة في القطاع مع دعوة جديدة للإضراب في 15 يوليوز. وفي الوقت نفسه، خرجت في مدينة تطاوين جنوبي البلاد، مظاهرات حاشدة للتنديد بالتهميش والبؤس الذي يعاني منه السكان، حيث يبلغ معدل البطالة 30٪، أي ضعف المعدل الوطني.

في لبنان والجزائر والعراق، استؤنفت حركات الاحتجاج الشعبي والأنشطة النضالية بعد عدة أسابيع من التوقف، وأحيانًا حتى قبل النهاية الرسمية للحجر الصحي. وفي المغرب، اندلعت أيضًا مظاهرات في مدينة تماسينت بالريف، للتنديد بالتأخير في المساعدة الاجتماعية والمطالبة بالحقوق ووقف الاعتقالات التعسفية والإفراج عن السجناء السياسيين.

تؤمن الأنظمة بالمنطقة والقوى الامبريالية التي تدعمها بأنها قادرة على الحفاظ على هيمنتها الاستبدادية عبر لجوئها المستمر إلى العنف الكثيف ضد سكانها. وهذا محكوم عليه بالفشل، كما يبرهن عليه استمرار اندلاع الاحتجاجات الشعبية الإقليمية.

ترجمة لجنة الاعلام

أطاك المغرب

الرابط الاصلي للمقال