لا يوجد تعريف لـ “الديون غير المشروعة” في القانون الدولي. وهذا لا يمنع السلطات العمومية من استخدام هذا المفهوم لإسناد قراراتها السيادية المتعلقة بالديون المترتبة على الدولة او لصالحها كما أظهرت الحكومتان الأكوادورية والنرويجية مؤخراً[1]. “الديون غير المشروعة” هي قبل كل شيء مفهوم سياسي قابل للتطور، قد يختلف مضمونه من بلد إلى آخر. وهذا ما تؤكده المبادئ التوجيهية المتعلقة بالديون الخارجية وحقوق الإنسان، التي وضعها خبير الأمم المتحدة المعني بالدين العام: “إن المعايير التي ستستخدم لتحديد ما إذا كان الدين الخارجي كريها أو غير مشروع ينبغي أن تحددها التشريعات الوطنية”[2].

ومن الضروري أن يشارك السكان في وضع هذه المعايير كجزء من عملية تدقيق الديون من قبل المواطنين. وللقيام بذلك، يمكنهم الاعتماد على العديد من النصوص القانونية والسياسية التي تلزم دولهم: ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، اتفاقيات فيينا لعام 1969 و1986 بشأن قانون المعاهدات، ومواثيق حقوق الإنسان لعام 1966، وقرارات الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي، والدساتير الوطنية، والتشريعات المدنية والتجارية، والمبادئ العامة للقانون الدولي (الإنصاف، وحسن النية، وإساءة استخدام القانون، والإثراء بدون سبب، وما إلى ذلك)، والقواعد الآمرة، ونظريات الفقه القانوني مثل الديون الكريهة وما إلى ذلك.

والهدف بالنسبة للشعوب هو أن تثبت، على أساس نصوص قانونية وسياسية، أن العديد من الديون غير مشروعة لأنه تم التعاقد عليها بطرق تشكل انتهاكا للقانون و/أو لم تعد بأي نفع عام على المواطنين. وكما يشير المثالان الأكوادوري والنرويجي، فإن عدم توفر النفع العام او المصلحة العامة هو المعيار الحاسم في وصف الدين بأنه “غير مشروع”. وحقا فان الالتزام بسداد دين عام ليس مطلقاً ولا ينطبق إلا على “الديون المتعاقد عليها من أجل المصلحة العامة للمجتمع”[3].  كما أن الامتثال لهذا الشرط مدرج في المبادئ المتعلقة بالديون وحقوق الإنسان[4]. وبالتالي فجميع الديون العامة التي تم عقدها ضد مصلحة الشعب لصالح ما يسمى 1٪ تعد “غير مشروعة”. وهذا ما يشكل ايضا المعيار المحدد في نظرية الديون الكريهة التي تعتبر ” ان ديون الدولة تقتضي وجوب التعاقد، واستعمال اموال الديون يقتضي تلبية احتياجات الدولة ومصالحها”[5].  هذه الدولة تكمن اول التزاماتها في احترام حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها[6].

وهذا ينطبق ايضا على البلديات المحلية. ففي القانون الفرنسي، على سبيل المثال، ينص التعميم المؤرخ 15 أيلول/سبتمبر 1992 بشأن عقود التحوط من أسعار الفائدة المقدم إلى البلديات والمؤسسات العامة المحلية على أنه “لا يمكن للبلديات المحلية أن تتصرف قانونا إلا لأسباب النفع العام ذات طابع محلي”. فالديون غير المشروعة هي إذن مسالة لا تقتصر فقط على اعتبارات اخلاقية بل تندرج في المجال القانوني والسياسي.

وبالنسبة لشبكة اللجنة من أجل إلغاء الديون غير المشروعة CADTM فإن الأمر متروك للشعوب لتحديد جميع الديون التي لم تخدم المصلحة العامة والتي يجب بالتالي أن تلغيها السلطات العامة. في هذا الفصل، سنعطي بعض السبل القانونية لوصف الدين بأنه “غير مشروع”. ولهذه الغاية، يجب إيلاء الاهتمام لمختلف جوانب الدين: بنود اتفاق الدين، والشروط التي يفرضها الدائنون (بما في ذلك في خطابات النوايا والمذكرات)، والظروف المحيطة بإبرام هذه الاتفاقات، وأسباب الديون، والوجهة الفعلية للأموال المقترضة، وأثر المشاريع الممولة من الديون على الظروف المعيشية للناس والبيئة، والتحقق من أن أولئك الذين عقدوا الدين لحساب الدولة كان لديهم السلطة القانونية للقيام بذلك، الخ. وللتحقق من كل هذا، يبدو أن التدقيق الشامل والتشاركي للديون على النحو الذي أجرته إكوادور في الفترة 2007-2008 هي أنسب أداة. وبطبيعة الحال، وفي غياب الإرادة السياسية من جانب السلطات العامة، سيجد الأفراد والمنظمات المنخرطون في سيرورة تدقيق مواطني للديون لدولتهم وبلدياتهم ومستشفياتهم، وما إلى ذلك، سيجدون في هذه السطور هنا حججا مفيدة لعملهم التحسيسي والتعبوي ومساءلة المسؤولين.

وبناء على هذه العناصر التي يتعين تدقيقها، يمكن تحديد أربع فئات لعدم مشروعية الديون:

  1. عدم المشروعية المتعلقة بالنظام المقترض؛
  2. عدم المشروعية المتعلقة بعدم موافقة الطرفين؛
  3. عدم المشروعية المتعلقة بشروط القرض؛
  4. عدم المشروعية المرتبطة باستخدام الأموال المقترضة.

وفي إطار هذه الفئات الأربع، سنحدد عدة مبادئ قانونية يمكن للدول أن تحتج بها ضد الدائنين، ونقدم أمثلة على الديون التي تنتهك تلك المبادئ.

لا نسعى إلى إقناع المحاكم أو الدائنين بأهمية حججنا القانونية، خاصة وأن “الديون غير المشروعة”، على غرار نظرية “الدين الكريه “، لا تعترف، على أية حال، بها القوى الغربية والمحاكم. ومن الأرجح أن تحمي هذه الأخيرة حقوق الدائنين أكثر من حقوق سكان البلدان المقترضة، على الرغم من أن المقرضين ملزمون بواجب الحيطة واليقظة الذي يتطلب منهم عدم الإقراض لأغراض غير عامة.

وبالتالي، فإن الحل العادل لمشكلة الديون لا يمكن أن يكون الا سياسيا وقائما على قرارات سيادية من الدول لن يتم سنها سوى بضغط شعبي. ولتحقيق هذه الغاية، فإن للمواطنين مصلحة في إجراء عمليات تدقيق ديونهم واستخدام الحجج القانونية التي يغطيها مفهوم “الدين غير المشروع”. ويمكن لحكومة، إذا ما كانت لديها الإرادة السياسية، أن تستخدم إذن نتائج التدقيق والحجج القانونية لعصيان دائنيها وترجيح كفة ميزان القوى لصالحها.

I. عدم مشروعية الديون المتعلقة بالنظام المقترض

إحدى الأسئلة الأولى التي يجب طرحها في إطار تدقيق الديون تتعلق بطبيعة النظام المقترض. للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا ألا ننظر فقط إلى النتائج التي تم الحصول عليها في الانتخابات (إذا ما جرى تنظيمها)، والتقارير حول سير الاقتراع، وآراء منظمات مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والقرارات التي اتخذتها البرلمانات الوطنية والقارية حول طبيعة النظام، وما إلى ذلك، ولكن أيضًا إلى سلوك النظام بمجرد تسلمه مقاليد السلطة. هل يرتكب جرائم؟ هل هو حقاً صاحب سيادة؟ هل يمثل الشعب؟

في هذا القسم الأول، سننظر إلى ديون النظام في شموليتها. وستتناول في الفروع الثانية والثالثة والرابعة ديونا عامة محددة، مما سيسمح بتعزيز التوصيف القانوني الواردة في القسم الأول.

  1. ديون الأنظمة الاستبدادية[7]

هذه الفئة الفرعية الأولى تنقلنا إلى مسالة الديون الكريهة بالمعنى المقصود في النظرية التي صاغها ألكسندر ساك في عام 1927. وينبغي أن نذكر هنا بأن النظرية تشكل مرجعا للقانون الدولي العام بموجب المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية.

ووفقاً للنظرية الكلاسيكية للدين الكريه: “إذا أبرمت سلطة استبدادية دينا لا يخدم حاجيات الدولة ومصالحها، بل لتعزيز نظامها الاستبدادي، ولقمع السكان الذين يقاومونها، وما إلى ذلك، فإن هذا الدين يكون دينا كريها لمجمل سكان الدولة (…). وهذا الدين ليس إلزاميا ً للأمة، بل هو دين إلزامي للنظام، دين شخصي للسلطة التي أبرمته، وبالتالي فإنه يسقط مع سقوط هذه السلطة”.

يمكن تطبيق هذا التعريف، الضيق[8]، للدين الكريه، على عديد من الديون. ومن الأمثلة على ذلك الديون التي ابرمتها الأنظمة الديكتاتورية في الجنوب بتواطؤ مع الدائنين مثل تلك التي أبرمها نظاما بن علي في تونس ومبارك في مصر. وقد وصفت هذه الديون بــ”الكريهة” بموجب قرارات برلمانية صودق عليها في 2011 و2012[9]. وتنجد أيضا ضمن هذه الفئة الفرعية الديون المبرمة في أوروبا في ظل نظام الكولونيلات في اليونان، سالازار في البرتغال، وفرانكو في إسبانيا.

وللحكم على الطابع الديكتاتوري للنظام، يجب على المرء أن ينظر إلى النتائج التي تم الحصول عليها خلال الانتخابات، والتقارير المتعلقة بالعملية الانتخابية، وعن حالة حقوق الإنسان في البلد، وما إلى ذلك.

وتكفي الطبيعة الديكتاتورية لهذه الأنظمة لوصف الدين بأنه “كريه”. وحقا، فان الدعم المالي لسلطة ديكتاتورية، حتى للمستشفيات أو المدارس، يعني تعزيزها والسماح باستمرارها. منح الدائنون قروضا لهذه الأنظمة، وهم بذلك “ارتكبوا فعلا ً معادياً للشعب”، ولا يمكنهم إذن أن يعولوا على الأمة المتحررة من السلطة الاستبدادية لتتحمل ديوناً “كريهة”، وفقاً لنظرية ساك. وبالتالي، فإن الوجهة الفعلية للأموال المقترضة ليست أساسية لتصنيف ديون هذه الأنظمة. فهذه الديون كريهة تماما، وبالتالي غير مشروعة.

كما يوفر ميثاق الأمم المتحدة و”القواعد الآمرة” الأساس لإلغاء جميع ديون نظام استبدادي. وتنص المادة 53 من اتفاقية فيينا لعام 1969[10] بشأن قانون المعاهدات على بطلان القرارات المخالفة لـ “القواعد الآمرة” الذي يشمل، من جملة أمور، المعايير التالية: حظر شن حروب عدوانية، وحظر التعذيب، وحظر ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وضد حق الشعوب في تقرير المصير. وما من شك في أن الأنظمة الديكتاتورية تنتهك معيارا واحدا على الأقل من معايير “القواعد الآمرة” التي ترد أيضا في ميثاق الأمم المتحدة وهي: حق الشعوب في تقرير المصير. ويكفي إثبات أن الدائنين كانوا يعلمون أن النظام المقترض كان، وقت إبرام القرض، ينتهك “القواعد الآمرة”. فدائنو الأنظمة الديكتاتورية ينتهكون إذن “القواعد الآمرة”، ولا يمكنهم المطالبة بسداد قروضهم، بغض النظر عن الوجهة الفعلية للأموال المقترضة أو النية الفعلية للدائنين في انتهاك هذه القواعد الآمرة للقانون الدولي.

2- ديون الحكومات الإجرامية

ويمكن أيضا ً الاستشهاد بـ”القواعد الآمرة” ضد ديون نظام يوصف بأنه “ديمقراطي” لمجرد أنه، على سبيل المثال، جاء نتيجة انتخابات “حرة”. والواقع أن التاريخ أظهر، مع وجود هتلر في ألمانيا، أو ف. ماركوس في الفلبين، أو أ. فوجي موري في بيرو، أن الحكومات المنتخبة ديمقراطياً يمكن أن ترتكب جرائم ضد الإنسانية. ولذلك من الضروري النظر إلى الطابع الديمقراطي للدولة المدينة بما يتجاوز طريقة تعيينها.

وأي قرض يمنح لنظام ما، حتى لو كان منتخبا ديمقراطيا، لا يحترم المبادئ الأساسية للقانون الدولي على النحو الوارد في “القواعد الآمرة” أو في ميثاق الأمم المتحدة (الذي يشكل النظام العام الدولي) يعتبر لاغيا وباطلا. وسنتطرق لأحكام ميثاق الأمم المتحدة في النقطة 4، “ديون الأنظمة التي توجد تحت هيمنة عليها أجنبية”، وكذا في القسم الثالث.

وكما ذُكر أعلاه، يكفي إثبات أن الدائنين كانوا يعرفون أن النظام المقترض يخالف وقت إبرام القرض، هذه المبادئ الأساسية للقانون الدولي. وينبغي أن نذكر بأن المقرضين ملزمون بتوخي واليقظة، وأن هناك تقارير مختلفة لمنظمات حقوق الإنسان والحريات، وعديد من قرارات الأمم المتحدة (مثل القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان)، التي تسمح لهم بالتعرف على حالة حقوق الإنسان في مختلف البلدان.

ولذلك، فإن جميع الديون التي عقدها نظاما الفصل العنصري في جنوب افريقيا وإسرائيل هي باطلة. وفي هذا الصدد، طلبت الأمم المتحدة، في قرار اتخذته في عام 1964، من وكالاتها المتخصصة، بما فيها  البنك العالمي، أن توقف دعمها المالي لجنوب أفريقيا. ولكن البنك العالمي لم ينفذ هذا القرار، وواصل إقراض نظام الفصل العنصري، في أكبر تجاهل للقانون الدولي. وفي حالة إسرائيل، من المهم التشديد على مسؤولية المصارف المتواطئة، مثل ديكسيا، في جريمة ضد الإنسانية من خلال تمويل انشاء المستوطنات على الأرض الفلسطينية.

3 – الديون الاستعمارية

طرح منع انتقال الديون الاستعمارية في وقت مبكر من عام 1919 مع معاهدة فرساي، التي تنص في المادة 255 على أن بولندا معفاة من دفع “جزء من الديون التي ستنسبها لجنة جبر الضرر إلى التدابير التي اتخذتها الحكومتان الألمانية والبروسية للاستعمار الألماني لبولندا”. وصدر حكم مماثل في معاهدة السلام المبرمة بين إيطاليا وفرنسا في عام 1947، جاء فيه أنه  ” من غير المتصور أن تتحمل إثيوبيا عبء الديون التي فرضتها إيطاليا من أجل  ضمان هيمنتها على الأراضي الإثيوبية. وتؤكد المادة 16 من اتفاقية فيينا لعام 1978 بشأن خلافة الدول في المعاهدات، الشيء نفسه: “ليس ملزما على دولة حصلت على استقلالها حديثا الابقاء على معاهدة سارية المفعول أو أن تصبح جزء منها لمجرد أن المعاهدة كانت سارية وقت خلافة الدول السابقة فيما يتعلق بالإقليم الذي يتعلق به خلافة الدول”».

يجب التذكير هنا أن البنك العالمي تورط مباشرة في بعض الديون الاستعمارية، لأنه خلال الخمسينات والستينات منح قروضا للقوى الاستعمارية لمشاريع من شأنها أن تسمح للمتربولات بتشديد استغلال مستعمراتها. وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الديون التي تعاقدت بشأنها السلطات البلجيكية والانكليزية والفرنسية مع البنك العالمي لمستعمراتها قد انتقلت بعد ذلك إلى بلدان حصلت على الاستقلال دون موافقتها. وعلاوة على ذلك، رفض البنك العالمي نفسه اتباع قرار اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1965 يأمره بأن يكف عن دعم البرتغال طالما لم تتخلى هذه الأخيرة عن سياستها الاستعمارية[11].

4 – ديون حكومات توجد تحت هيمنة اجنبية

حق الشعوب في تقرير المصير مكرس في المادة 1-2 من ميثاق الأمم المتحدة وفي عهدي حقوق الإنسان الدوليين لعام 1966.  وفقا للمادة 1 المشتركة بين كلا الميثاقين، “لجميع الشعوب الحق في تقرير المصير. وبموجب هذا الحق، فإنها تحدد بحرية نظامها السياسي وتكفل بحرية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولبلوغ غاياتها، يمكن لجميع الشعوب أن تتصرف بحرية في ثرواتها ومواردها الطبيعية، دون المساس بالالتزامات الناشئة عن التعاون الاقتصادي الدولي، القائم على مبدأ المصلحة المتبادلة، وعن القانون الدولي. ولا يمكن تحت أي ظرف من الظروف حرمان شعب من سبل عيشه”.

وعلى غرار حكومات الجنوب التي تنفذ منذ الثمانينات برامج التقويم الهيكلي التي يمليها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، فإن الدول الأوروبية التي أصبحت تحت وصاية  الترويكا (الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي) حرمت من حقها في تقرير المصير. ويفترض أن تكون الديون التي تعقدها هذه الحكومات الخاضعة للهيمنة الاجنبية ديونا غير مشروعة لأن الشعوب لا تستطيع ان تتمتع بحقها في تقرير المصير. وفي الواقع، فمصلحة الشعب تأتي بعد مصالح الدائنين في حين أن القواعد الأساسية لدولة ديمقراطية لم تعد محترمة.

وهناك عدة مؤشرات على ذلك: الاستعاضة عن القادة المنتخبين بحكومات تكنوقراط تخدم الدائنين، وعدم التشاور مع البرلمان لاعتماد خطة تقشف، والتعبئة الشعبية ضد سداد الديون وسياسات التقشف، وزيادة الدين العام، والانتهاك واسع النطاق لحقوق الإنسان تحت تأثير السياسات التي يفرضها الدائنون الأجانب، الخ.

ملاحظة: تفصيل مخالفات في إجراءات اعتماد برامج التقشف، والأحكام غير القانونية وغيرها من الشروط الواردة في الاتفاقات المبرمة مع الدائنين، سيأتي في الفرعين الثاني والثالث على التوالي. ويركز الفرع الرابع على الأسباب غير الأخلاقية وغير المشروعة للديون.

5- ديون حكومة تخدم أقلية (“واحد في المائة”)

الأسئلة التي يجب أن تطرحها الشعوب على أنفسها هي: هل تدافع الحكومة عن مصالحها؟ أم أنها بالعكس تعطي الامتياز لطبقة اجتماعية معينة؟ من يملك الدين العام؟ من المستفيد من هذا الدين؟ هل لدينا رقابة على القرارات التي تتخذها الدولة؟ الخ.

أن انعدام الشفافية بشأن قضايا الدين العام مؤشر على عدم مشروعية الدين العام. وينبغي أن نتذكر أن الحق في ولوج المعلومة مكرس في عدة نصوص، بما في ذلك المادة 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وكما ذُكر أعلاه، يجب أن تبرم الديون العامة في خدمة مصالح المجتمع. وعليه، فإن الدين القائم على نظام يعطي الامتياز لصالح أقلية (1%) على حساب الأغلبية (99%) هو دين غير مشروع.

وعلى سبيل المثال، فإن الديون الناجمة عن تنفيذ سياسات ضريبية لصالح كبار الأثرياء والمقاولات الكبرى هي ديون غير مشروعة لأنها لا تفيد المصلحة العامة. كما يجب أيضا أن نطعن بجدية في شرعية الديون الناجمة عن عمليات إنقاذ البنوك. وترد هذه الديون في القسم الرابع “عدم مشروعية الديون المتصلة باستخدام الأموال المقترضة”.

كما أن هناك حاجة إلى ضمان تنفيذ القادة المنتخبين بالفعل للبرنامج الذي التزموا به خلال الحملة الانتخابية. ويمكن مساواة عدم الوفاء بالوعود الانتخابية بخداع للسكان، مما يجعل سياستهم غير مشروعة، وبالتالي أيضا الديون الناجمة عنها.

6- ديون نظام أطاح به الشعب

ووفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان،” ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم” (الديباجة). ” لكلِّ فرد حقُّ التمتُّع بنظام اجتماعي ودولي يمكن أن تتحقَّق في ظلِّه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحقُّقًا تامًّا” (المادة 28).

وفي ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يمكن اعتبار ديون الأنظمة المخلوعة (ديمقراطية كانت أو غير ديمقراطية) ديونا غير مشروعة. وفي الواقع، فإن إسقاط الشعب لحكومة يشير مبدئيا إلى أن هذه الاخيرة لم تعد تمثل الشعب وأن سيادة القانون غير مضمونة. ولذلك فإن ديونها لا تلزم مبدئيا الشعب الذي حرر نفسه من نيرها.

ثانيا – عدم مشروعية الديون المتصلة بغياب الرضى بين الاطراف

يجب النظر في اهلية المتعاقدين. هل يحق لهم إبرام الدين؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل كانت موافقتهم على الالتزام بالقرض حرة؟ الخ. وللإجابة على هذه الأسئلة، ينبغي النظر إلى أحكام القانون الدولي وكذلك في القوانين الوطنية (للدولة المدينة والدولة الدائنة). فإذا تمكنت السلطات العامة من إثبات أن أحكام القانون الدولي والوطني هذه قد انتهكت وقت إبرام العقد، فعندئذ سيكون لها ما يمكنها من التنصل من الديون غير المشروعة.

  • عقود الديون المخالفة للقواعد الأساسية للدولة الديمقراطية

تقوم الدولة الديمقراطية على الفصل بين السلطات: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وهذا الفصل بين السلطات كثيرا ما تكفله الدساتير الوطنية. والحال أن بعض الديون أبرمت في خرق للدستور من قبل أشخاص لا يتمتعون بالأهلية اللازمة لذلك. وينطبق ذلك بصفة خاصة على الديون التي تلتزم بها الحكومة وحدها دون التشاور مع البرلمان، عندما يكون لهذا الأخير الأهلية بموجب الدستور للتدخل في المسائل المتصلة بالدين العام، مثل مسائل الميزانية. ويجب علينا أيضا أن ننظر في نصوص أخرى من القانون الوطني مثل القوانين والأنظمة الوطنية التي تأطر اختصاص الوكيل المأذون له بإبرام دين عام. ومن الضروري أيضا تحديد الحكومة التي تفاوضت على اتفاق القرض مع الدائنين. هل هي الحكومة الحالية أم الحكومة المنتهية ولايتها؟ هل كانت وقتها تهتم بتصريف الاعمال الجارية؟ الخ.

وعلى أساس هذه العناصر، تعتبر الديون التالية “غير مشروعة” (القائمة ليست شاملة):

أ) الديون المبرمة في ظل الأنظمة الديكتاتورية نظرا لغياب سيادة القانون.

ب) الديون التي يلتزم بها موظفو الدولة الذين يتجاوزون نطاق صلاحياتهم.

نتحدث هنا عن أشخاص ليسوا مؤهلين وفق قانون دولتهم لإبرام دين عام. ومن الأمثلة على ذلك قضية “غرامونت” بين باراغواي وعدة مصارف خاصة. وفي 26 غشت/أغسطس 2005، أصدرت حكومة باراغواي مرسوما يخطر بأن البلد يرفض تأدية دين عام تجاري قدره 85 مليون دولار، على أساس أنه تم إبرامه عن طريق الاحتيال. وفعلا، فقد أبرم القرض قنصل باراغواي في جنيف، غوستافو غرامونت، وهو لم يكن مؤهلا قانوناً لذلك.

ويمكن أن نسرد ايضا القانون الفرنسي الذي يحدد حدود صلاحية البلديات المحلية. فدورية 15 أيلول/سبتمبر 1992 بشأن عقود التحوط من أسعار الفائدة المعروضة على البلديات المحلية والمؤسسات العامة تنص على أن “السلطات المحلية لا يمكنها أن تتصرف قانونا إلا لأسباب النفع العام في الإطار المحلي”. ومن الواضح أن هذا الالتزام يستبعد ما يسمى بالقروض “السامة”[12]  القائمة على المضاربة.  ولم يكن للبلديات المحلية التي أبرمت هذا النوع من القروض اختصاص القيام بذلك. وبالتالي فإن الديون الناتجة عن ذلك هي باطلة.

ج) الديون المبرمة في إطار برامج التقويم الهيكلي التي أبرمتها دول الجنوب مع المؤسسات المالية الدولية والمذكرات التي اتخذتها الدول الأوروبية مع “الترويكا”.

إن الترويكا في أوروبا والمؤسسات المالية الدولية (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي) في الجنوب تنتهك بشكل صارخ ابسط قواعد الدولة الديمقراطية. ولا يشارك البرلمانيون على الصعيد القطري في وضع اتفاقات “تفاوضية” بين الحكومات ودائنيها. بل إن تصديق البرلمان عليها لا يتم في بعض الأحيان، كما هو الحال في اليونان عندما طبق برنامج التقشف الذي جرى التوقع عليه مع الترويكا في عام 2010 دون أن يصادق عليه البرلمان حتى، رغم أن هذا كان التزاماً من الالتزامات الواردة في الدستور اليوناني[13]. أما فيما يتعلق بحوار المؤسسات المالية الدولية مع “المجتمع المدني” بالبلدان المسماة نامية، فهو حوار وهمي فقط.

تفرض خطط التقشف هذه بعد ذلك على الحكومات المتعاقبة وعلى الشعوب، حتى لو كانت قد صوتت برفضها. فعلى سبيل المثال، حذرت الترويكا بوضوح من أن الانتخابات التي جرت في أيرلندا والبرتغال في عام 2011 ينبغي ألا تشكك في تنفيذ هذه الاتفاقات.

وأخيرا، فإن التعبئة الشعبية ضد هذه الاتفاقات توضح أن الشعوب لا تقبل هذه السياسات. وهذه الديون المرتبطة ببرامج التقشف غير مشروعة لأن الموافقة لم تمنحها الشعوب/أو ممثلوهم المنتخبون.

د) الديون الناتجة عن عملية إنقاذ مصرفية أرسيت كجزء من مسطرة غير قانونية

منذ بداية الأزمة المالية في عام 2008، أنقذت دول الشمال البنوك مرات متتالية. وقد اتخذت عمليات الإنقاذ المتكررة هذه شكلين في الأساس: إعادة الرسملة ومنح ضمانات الدولة. ويتمثل منطق الضمانة في الآتي: إذا لم يعد البنك قادراً على سداد مستحقاته، فإن السلطات العامة (اي دافعي الضرائب) يتدخلون مالياً، مما يؤدي إلى زيادة الدين العام. قضية دكسيا هي مثال ساطع على ذلك. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2011، التزمت ثلاثة دول (بلجيكا وفرنسا ولكسمبرغ) بضمان قروض شركة دكسيا بمبلغ 90 مليار يورو. بالإضافة إلى خطورة الضمانة اقتصاديا واجتماعيا، فان الضمانة التي منحتها الدولة البلجيكية كانت مخالفة للقانون. والواقع أنها اتخذت بموجب مرسوم ملكي بسيط صادر عن حكومة في الشؤون اليومية الجارية دون أن تكلف هذه الأخيرة نفسها عناء استشارة البرلمان الاتحادي. والحال أن شؤون الميزانية تقع ضمن اختصاص السلطة التشريعية بموجب الدستور. وعلاوة على ذلك، لم يستشر القسم التشريعي في مجلس الدولة، وإن كان ذلك شرطاً يجب توفره تحت طائلة بطلان المرسوم الملكي.

عدم قانونية ضمانة الدولة البلجيكية هذه وردت في طلب الإلغاء الذي قدمته إلى مجلس الدولة ثلاث جمعيات (لجنة إلغاء الديون غير المشروعة CADTM بلجيكا، أطاك لييج، أطاك بروكسيل2) انضم إليها عضوين من الخضر في البرلمان. وفي الوقت الذي كتبت فيه هذه السطور، لم يتم البت بعد في ا لمسألة[14]. هذه المعركة القانونية تندرج في نطاق أوسع متعلق بالصراع السياسي من أجل إلغاء الدين العام غير المشروع، وخاصة الناتج عن إنقاذ البنوك.

  1. الديون المشوبة بعيب من عيوب الرضى

لا يكفي التوقيع على اتفاق قرض رسمي والتصديق عليه للتحقق من صحة الدين المعني. وفي الواقع ربما تكون الموافقة مشوبة بعيب. عندها يكون الكلام عن عيوب الرضى. وتشير اتفاقية فيينا 1969 بشأن قانون المعاهدات واتفاقية فيينا بشأن قانون المعاهدات بين الدول والمنظمات الدولية لعام 1986 إلى مختلف عيوب الرضى التي يمكن أن تؤدي إلى بطلان اتفاق القرض. وضمنها نجد رشوة المتعاقد بوسائل مباشرة أو غير مباشرة أثناء التفاوض، والإكراه الذي يمارس عليه عن طريق أفعال أو تهديدات موجهة ضده، أو الخداع والتدليس.

ونجد عيوب الرضى أيضا في العديد من التشريعات الوطنية.  فعلى سبيل المثال، تنص المادة 1109 من القانون المدني الفرنسي على ما يلي: ” لا يكون الرضى صحيحا إذ اعطي عن طريق الخطأ أو تم انتزاعه بالعنف أوشابه الخداع”. وبموجب القانون الفرنسي، يُعرَّف الخداع بانه ناجم عن فعل مناورات اثرت على رضى شخص ودفعته إلى إبرام عقد. تجدر الإشارة إلى أن الاجتهادات القضائية قد ساوت بين الخداع والكذب[15] والصمت المذنب[16]. والإكراه يسمى «العنف” في القانون الفرنسي (المادة 1111 من القانون المدني). وتشكل اكراها، جميع التهديدات غير المبررة التي من شانها أن تجبر المتعاقد على الموافقة. وهذا العيب معروف أيضا في القانون الألماني، والقانون الإيطالي، الخ.

وعلى أساس هذه العناصر، تعتبر الديون التالية “غير مشروعة” (القائمة ليست شاملة):

أ) الديون الناجمة عن القروض “السامة” التي تمنحها المصارف في انتهاك لوجوب اعلام المتعاقد.

يمكن للدول وأيضا البلديات المحلية والمؤسسات العامة الاستشهاد بعيب الخداع بوجه البنوك مثل دكسيا[17]. في بعض الحالات قد تكون دكسيا تعمدت تقديم معلومات مفرطة في التفاؤل وحتى خاطئة، عبر ضمانها غيابا شبه كلي للمخاطر. وبالتالي، فدكسيا، كغيرها من البنوك لم تلتزم بتوفير المعطيات في الوقت الذي لا تملك فيه البلديات المحلية الوسائل لتقييم المخاطر التي ينطوي عليها الأمر. وفي غياب معلومات واضحة ومفصلة عن مضمون العقود، يمكن اعتبار أن موافقة البلديات المحلية لم تُمنح بصورة صحيحة وأنه يمكنها بالتالي الاستشهاد بمضمون الخداع الصادر عن هذه المصارف، والذي يشكل سببا للبطلان[18]. ففي كانون الأول/ديسمبر 2012، كانت دكسيا محط 57 شكاية في فرنسا وحدها، قدمتها بلديات متضررة من القروض السامة التي قدمها المصرف.

ب) الديون الناجمة عن الرشوة

ومن الأمثلة على ذلك العقود المبرمة بين اليونان وسيمنز العابرة للحدود، التي اتهمتها المحاكم الألمانية واليونانية على السواء، بدفع عمولات ورشاوى أخرى للموظفين السياسيين والعسكريين والإداريين اليونانيين بمبلغ يكاد يساوي مليار يورو[19].

(ج) الديون التي تعقدها الحكومات في إطار الاتفاقات المبرمة مع المؤسسات المالية الدولية والترويكا

يمكن للحكومات الارتكاز قانونيا على حجة الإكراه لرفض التدابير التي تفرضها الترويكا. ونظرا لعدم القدرة على الاقتراض من الأسواق المالية على المدى الطويل بسبب أسعار الفائدة الباهظة المطلوبة، اضطرت الحكومات الأيرلندية والبرتغالية واليونانية إلى اللجوء إلى الترويكا، التي استغلت فرصة كونها الملاذ الأخير لفرض مذكراتها، التي تنتهك بشكل صارخ حقوق الإنسان وسيادة تلك الدول (انظر الفرع الثالث).

وقد عانت بلدان الجنوب من نفس خيبة المصير قبل سنوات في أعقاب أزمة ديون العالم الثالث في عام 1982. وأُجبرت على الاقتراض من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والخضوع لشروطهما. ولذلك فإن موافقتها لم تكن حرة.

ثالثا – عدم مشروعية الديون بسبب شروط القروض

في هذا القسم الثالث، سننظر إلى مضمون اتفاقية الدين نفسها. ويتعلق الأمر بالنظر بالتفصيل في بنود العقد، والشروط المرفقة بالقرض، والغرض من الدين، ومن ثم التحقق من احترامه للقانون الوطني والدولي. وفي الواقع يشكل المضمون القانوني أو الأخلاقي شرطا لصحة العقد في العديد من التشريعات المدنية والتجارية الوطنية.

وينبغي أن نذكر بأن الدول ملزمة باحترام القوانين الدولية لحقوق الإنسان، وأن هذا الالتزام باحترام حقوق الإنسان وحمايتها وتعزيزها له الأولوية على أي اتفاق آخر. وتشمل النصوص التي تحمي حقوق الإنسان وتؤكد على سيادة الدول: ميثاق الأمم المتحدة، وعهدي حقوق الإنسان لعام 1966، و”القواعد الآمرة”، وإعلان عام 1986 بشأن الحق في التنمية، وقرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الصادر في 18 تموز/يوليه 2012[20].

وبعبارة أخرى، فإن الاتفاق الذي يؤدي تطبيقه إلى انتهاك حقوق الإنسان وسيادة الدولة يعتبر لاغياً وباطلاً. وتكون الديون المتعاقد عليها بموجب هذا الاتفاق إذن غير مشروعة. ولا يجب سدادها كما يجب أن ترفض السلطات العمومية الشروط المرتبطة بالقرض.

وبغية تأييد تعليقاتنا على الطابع غير المشروع لهذا الدين، يمكن الاستشهاد بمشروع المادة المتعلقة بالانتقال فيما يخض ديون الدول لاتفاقية فيينا لعام 1983، الذي صاغه المقرر الخاص محمد بجاوي: ” من وجهة نظر المجتمع الدولي، يعتبر دينا كريها كل دين أبرم لأغراض لا تتفق مع القانون الدولي المعاصر، ولا سيما مبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة”[21].  وجدير بالتذكير أن من بين هذه المبادئ نجد حق الشعوب في تقرير المصير (المادة 1-2 من ميثاق الأمم المتحدة). كما نجد المادتان 55 و56 التزامات أعضاء الأمم المتحدة: “رفع مستويات المعيشة، والتوظيف الكامل، وظروف التقدم والتنمية في النظام الاقتصادي والاجتماعي».

وعلى أساس هذه العناصر، تعتبر الديون التالية غير مشروعة (القائمة ليست شاملة):

أ) الديون المتعاقد عليها بموجب اتفاقات الغرض منها الحد من سيادة الدول والتي يؤدي تطبيقها إلى انتهاك حقوق الإنسان.

وهنا نجد ديون بلدان الجنوب المتعاقد عليها بموجب برنامج التقويم الهيكلي وديون الدول الأوروبية المرتبطة بالاتفاقات المبرمة مع الترويكا. وهذه الديون كريهة وفقا لتعريف السيد بجاوي (وبالتالي غير مشروعة) لأن لها بوضوح “أهدافا لا تتفق مع القانون الدولي المعاصر، ولا سيما مبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة”.

وفي الواقع، تؤدي الشروط التي يفرضها هؤلاء الدائنون إلى إفقار الشعوب، وتزيد من أوجه عدم المساواة، وتسلم البلد إلى الشركات متعددة الجنسيات، وتعدل تشريعات الدول الداخلية (الإصلاح العميق لقانون العمل، وقوانين المناجم والغابات، وإلغاء الاتفاقات الجماعية، وما إلى ذلك) بطريقة مواتية للدائنين و”المستثمرين” الأجانب.

فعلى سبيل المثال، من بين البنود غير القانونية الأخرى المدرجة في هذه الاتفاقات، الاستعاضة عن القانون الوطني للدولة المدينة بقانون اخر (مثل القانون الأنجلوسكسوني، الحامي بشكل خاص للدائنين والشركات متعددة الجنسيات) والاستعاضة عن اختصاص المحاكم الوطنية باختصاص المحاكم الأجنبية في حالة نشوب نزاع مع الدائنين. ويكمن هدف الدائنين في الحد من قدرة الدولة على إعلان التخلف عن السداد أو إلغاء الديون.

وتجدر الإشارة إلى أن تدخل الدائنين في سياسات الدول وازدراءها لسيادتها يشجبه قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة المؤرخ 18 تموز/يوليه 2012.

ب) الديون المتعاقد عليها لشراء المعدات العسكرية

وتلزم المادة 26 من ميثاق الامم المتحدة الدول بتنظيم تجارة الأسلحة وتخصيص الحد الأدنى من مواردها فقط للتسلح. والحال، أننا نرى أن الإنفاق العسكري على الصعيد العالمي يتزايد عاما بعد عام. فقد بلغ عام 2011 مبلغ 1.740 مليار دولار، في حين لم يجمع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سوى 3.5 مليار دولار في عام 2010[22]. هذا مع العلم أن الدول ملزمة، وفقا للمادة 1-3 من الميثاق، بـ”تحقيق التعاون الدولي من خلال حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، أو الإنساني، من خلال تطوير وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، بدون تمييز مرتبط بالعرق أو الجنس أو اللغة أو الدين”.

ج) “المساعدات المشروطة”

تطورت المساعدات المشروطة في البداية بين بلدان الشمال والجنوب. وفي مواجهة الركود المعمم والبطالة الضخمة بدءا من منتصف السبعينيات، قررت البلدان الغنية توزيع القوة الشرائية على بلدان الجنوب، من أجل تشجيعها على شراء السلع التي ينتجها الشمال، من خلال منحها قروضاً من دولة إلى دولة، وغالباً ما تكون في شكل ائتمانات تصديرية: هذه هي المساعدات المشروطة. وتترجم المساعدات المشروطة على وجه الخصوص بالنسبة للبلد “المستفيد” من المساعدة في زيادة ملحوظة للخدمات أو السلع التي يشتريها. ووفقا لدراسة أجراها البنك العالمي، دفعت البلدان الأفريقية خلال الفترة 1962-1987، مقابل وارداتها من منتجات الصلب أكثر من البلدان الصناعية (وصلت إلى 23 في المائة من الواردات التي تأتي من فرنسا[23]. كما تمارس المساعدات المشروطة ايضا بين بلدان الشمال. وهكذا، في خضم الأزمة في أوائل عام 2010، وعلى إثر ضغط السلطات الفرنسية والألمانية التي أرادت ضمان صادراتها من الأسلحة، لجأت الحكومة اليونانية الى العديد من القروض لتمويل شراء معدات عسكرية من فرنسا وألمانيا.

ومن الواضح أن هذه الممارسة غير مشروعة لأن هذه القروض المشروطة لا تتوافق مع الاحتياجات الحقيقية للبلد بل مع مصالح المقاولات الموجودة في المجال الترابي للبلد “المانح”. وبالتالي، فإن الديون العامة الناتجة عنها غير مشروعة، كما اعترفت الحكومة النرويجية بذلك في عام 2006. وفي أعقاب حملة كبيرة قامت بها المنظمات غير الحكومية في البلد، ألغت النرويج من جانب واحد ودون قيد أو شرط ديونها لخمسة بلدان (إكوادور ومصر وجامايكا وبيرو وسيراليون)، واعترفت بنصيبها من المسؤولية عن ديون تلك البلدان، التي وصفت بأنها “غير مشروعة”. وبالفعل، في الفترة بين عامي 1976 و1980، صدّرت النرويج سفنا إلى بلدان الجنوب، ليس لدعم تنميتها، بل لمساعدة صناعتها الخاصة لبناء السفن التي كانت في أزمة.

 د) الديون المتعاقد عليها لتمويل تشييد مشاريع كبيرة للبنى التحتية غير المربحة أو تشكل ضررا على الناس والبيئة

ينبغي التحقق عبر تدقيق إلى أي مدى تخدم مشاريع البنى التحتية الكبيرة الممولة من الديون المصلحة العامة. ولذلك فإن المسألة تتعلق بدراسة أثرها على السكان والطبيعة والاستدانة. ومن الواضح أن المشاريع التي تسمى “الفيلة البيضاء” في الجنوب قد تركت على عاتق بلدانه ديونا غير مشروعة. وينطبق ذلك بصفة خاصة على سد إنجا في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وفي الشمال، يمكن أن نسرد فضيحة الألعاب الأولمبية لعام 2004 في اليونان. فبينما كانت السلطات اليونانية تخطط لإنفاق 1.3 مليار دولار، تجاوزت تكلفة هذه الألعاب في الواقع 20 مليار دولار.

رابعا – عدم مشروعية الديون المتصلة باستخدام الأموال المقترضة

إن قرضا يحترم مضمونه ظاهريا القانون يمكن أن يكون غير مشروع عندما يستخدم لغايات مخالفة للقانون أو للأخلاق. ولذلك فمن الضروري التحقق، من خلال تدقيق الديون، من أن القرض قد استخدم على النحو المناسب. ويمكن الحديث في هذه الحالة عن سبب غير قانوني أو غير أخلاقي للعقد، وهو ما يوجد في العديد من التشريعات المدنية والتجارية.

ومن الضروري أيضا النظر في سلوك الدائن وطرح السؤال عن مشروعية السداد. وبعبارة أخرى، من يدين لمن؟ وينبغي أن نذكر بأن المقرضين ملزمون بتوخي اليقظة وأن سداد ديونهم محدود بصفة خاصة بالمبادئ العامة للقانون التي تفرض على جميع الاطراف المتدخلة في الاستدانة. وتشمل هذه المبادئ العامة الإنصاف وحسن النية والإثراء غير المشروع. وعليه، فقد يكون الدين الذي تم التعاقد عليه بصورة قانونية غير مشروع عندما يتبين ان الدائن تصرف بسوء نية أو بشكل غير عادل، كأن يقوم مثلا، بالمطالبة بسداد دين لم يستخدم من اجل المصلحة العامة.

ويهذا ما يؤكد عليه بصفة خاصة قرار التحكيم الصادر في عام 1923 في سياق نزاع بين بريطانيا وكوستاريكا.  في عام 1922، سنت كوستاريكا قانونا ً ألغى جميع العقود التي عقدها الديكتاتور السابق فيديريكو تينوكو بين عامي 1917 و1919، وبالتالي رفضت الوفاء بدينه للبنك الملكي الكندي (وهو بنك إنجليزي). وقد فصل رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة، ويليام هوارد تافت، في النزاع الذي أعقب ذلك بين بريطانيا العظمى وكوستاريكا. وقال إن قرار حكومة كوستاريكا صحيح، مشيراً إلى أن “قضية البنك الملكي لا تعتمد فقط على شكل الصفقة، بل ايضا على حسن نية البنك لحظة الاقراض في الاستخدام الفعلي لحكومة كوستاريكا تحت قيادة تينوكو. يجب على البنك أن يثبت أن الأموال قد أُقرضت للحكومة لأغراض مشروعة[24]. لكنه لم يثبت ذلك”.

ويمكن أيضا التذرع بنظرية الديون الكريهة، التي تصنف ضمن الديون الكريهة “القروض المتعاقد عليها لأهداف من الواضح أنها مصلحية وشخصية لأعضاء الحكومة أو الأشخاص وتجمعات مرتبطة بالحكومة، أهداف لا علاقة لها بمصالح الدولة”. فـ”إبرام ديون الدولة يتطلب عقدا كما تتطلب للأموال المتأتية من الديون استخدامها لتلبية احتياجات الدولة ومصالحها”.

وعلى أساس هذه العناصر المختلفة، تعتبر الديون التالية غير مشروعة (القائمة ليست شاملة):

أ) الديون التي استخدمت للإثراء الشخصي

ومن الأمثلة على ذلك الديون الأرجنتينية المتعاقد عليها في ظل حكم الطغمة العسكرية. وفي قرار “أولموس” في عام 2000، اثبتت المحكمة الاتحادية للأرجنتين وجود علاقة بين زيادة الدين العام الخارجي من ناحية والإثراء الشخصي للقادة من ناحية أخرى، خلال فترة الدكتاتورية: “في الفترة من عام 1976 إلى عام 1983، كانت سياسة الاستدانة والقروض تعسفية تماما. ويشمل ذلك موظفي ومجالس إدارة المؤسسات العامة والخاصة. كما أن سلطات صندوق النقد الدولي التي أشرفت على المفاوضات الاقتصادية في ذلك الوقت كانت على علم بوجود صلة صريحة بين الدين الخارجي، وتدفقات رأس المال الأجنبي قصيرة الأجل، وارتفاع أسعار الفائدة المحلية، وما يقابلها من تضحية بالميزانية الوطنية منذ عام 1976”.

ب) الديون الناتجة عن عمليات الإنقاذ المصرفية

وتستند هذه الديون في الواقع إلى سبب غير أخلاقي أو غير قانوني من حيث أن الناس الذين يسددون هذه الديون ويعانون من برامج التقشف ليسوا مسؤولين عن الأخطاء التي ترتكبها المصارف. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدستور الأكوادوري يحظر “تأميم الديون الخاصة من قبل الدولة” (الفقرة 7 من المادة 290).

ج) الديون الناجمة عن تدابير غير عادلة ماليا واجتماعيا

وعلى النقيض مما تزعمه الحكومات الأوروبية والصحافة المهيمنة، فإن السكان لم يعيشوا في مستوى يفوق إمكانياتهم. والواقع أن ديون الدول الأوروبية قد زادت على مدى السنوات الثلاثين الماضية، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض الإيرادات الضريبية من أرباح المقاولات الكبرى ومن مداخيل وأملاك الأسر الأكثر غنى. وقد تم الحفاظ على هذا الخصاص عن قصد من خلال سلسلة من الإصلاحات الضريبية التفضيلية لمصلحة كبار الأثرياء والمقاولات الخاصة الكبيرة على حساب المجتمع. وقد أدى ذلك إلى زيادة في الاستدانة العمومية.

وفي إطار تدقيق الديون، وجب النظر في جميع الآليات التي تسمح للمقاولات وكبار الأغنياء بالتحايل للتهرب من الضرائب في بلدانهم.

وتجدر الإشارة إلى أن الدستور الأكوادوري ينص على أنه لا يمكن للدولة أن تلجأ إلى “الاستدانة العمومية إلا إذا كانت الإيرادات الضريبية والموارد المتأتية من التعاون الدولي غير كافية” (الفقرة 1 من المادة 290).

د) الديون التي تطالب بها الصناديق الجشعة

“الصناديق الجشعة” هي صناديق الاستثمار والمضاربات المالية. ويأتي لقبهم هذا من ممارستهم التي تتمثل في إعادة شراء الديون بأسعار منخفضة جداً من الدول التي تعيش صعوبات ثم إجبارها بعد ذلك من خلال المحاكم على سدادها بسعر مرتفع، أي المبلغ الأولي للديون، بالإضافة إلى الفوائد والغرامات والتكاليف القانونية المختلفة. وهي بذلك تنتهك بشكل صارخ المبادئ العامة للقانون مثل الإنصاف أو حسن النية أو الإثراء غير المشروع.

 هـ) الفوائد التي تطالب بها المصارف المقترضة من المصرف المركزي الأوروبي

من خلال اشتراط أسعار فائدة مرتفعة على الحكومات بينما تقترض هي بنسبة 1% فقط من البنك المركزي الأوروبي، تثري البنوك نفسها بشكل غير مشروع. يمكننا أن نتحدث هنا عن الإثراء غير المشروع. منذ القانون الروماني، كان الالتزام بعدم الإثراء غير المشروع على حساب الآخرين مكرسا ضمنا وصراحة في العديد من القوانين.  ومن مستتبعاته إمكانية استعادة ضحية الإفقار من الذي اغتنى بشكل غير مشروع على حسابها الأموال التي سرقها منها بدون وجه حق وذلك في حدود الإثراء المستحوذ عليه[25].

ويمكن أيضاً اعتبار جميع الفوائد التي تدفعها الدول للبنوك غير مشروعة كونها طالما أن البنوك المركزية (البنك المركزي الأوروبي أو البنك المركزي على صعيد كل بلد) تقرض مباشرة إلى الدول بسعر فائدة صفر.

و) الديون الخارجية لبلدان الجنوب

ويمكننا أيضا أن نتكلم هنا عن الإثراء غير المشروع مادامت البلدان النامية سددت بالفعل ديونها للدائنين الأجانب عدة مرات. وفي الواقع فإن صافي التحويل على الدين العام الخارجي (الفرق بين المبالغ المحصل عليها على سبيل القروض الجديدة ومجموع التسديدات) سلبي إلى حد كبير بين عامي 1985 و2010، وقد بلغ 530 مليار دولار[26].

ز) الديون المستخدمة لسداد ديون قديمة غير مشروعة

إن التعاقد على ديون لسداد ديون قديمة غير مشروعة هو سبب غير أخلاقي ومخالف للقانون ويمكن الاستناد هنا بالحجة القانونية للاستمرارية القائلة بأن الدين لا يفقد طابعه غير القانوني على إثر تفاوض أو إعادة هيكلة. وبهذا المعنى، فإنه يحتفظ بعيبه الأصلي وتستمر الجنحة في الوقت.

رونو فيفيان

31 يناير/كانون الثاني 2013

ترجمة وليد

رابط المقال الأصلي:

https://bit.ly/3gdy72H

Renaud Vivien membre du CADTM Belgique, juriste en droit international. Il est membre de la Commission pour la Vérité sur la dette publique de la Grèce créée le 4 avril 2015. Il est également chargé de plaidoyer à Entraide et Fraternité.

Notes

[1] En 2006, la Norvège a décidé d’annuler unilatéralement et sans conditions des créances sur cinq pays au motif qu’elles étaient « illégitimes ». L’’Équateur, à l’initiative du président Correa et sous la pression des mouvements sociaux, a mené entre 2007 et 2009 un bras de fer avec ses créanciers en décidant d’auditer unilatéralement l’intégralité de sa dette publique. Sur base des conclusions de cet audit mené par une commission internationale composée de représentants de l’État, de mouvements sociaux et de réseaux internationaux travaillant sur la dette dont le CADTM, l’Équateur a alors suspendu le paiement d’une part importante de sa dette, la qualifiant d’« illégitime », et forcé ses créanciers à reprendre leurs titres diminués de trois quarts de leur valeur. Au final, cette opération a permis au pays d’épargner 7 milliards de dollars.

[2] Voir Stéphanie Jacquemont, « Que retenir du rapport de l’expert de l’ONU sur la dette et les droits humains »

[3] David Ruzié, Droit international public, 17e édition, Dalloz, 2004, p. 93.

[4] Paragraphe 23 des Principes directeurs relatifs à la dette extérieure et aux droits de l’homme, Annexe au rapport de l’expert indépendant Cephas Lumina du 10 avril 2012 (A/HCR/20/23).

[5] Alexander Nahum Sack, Les Effets des Transformations des États sur leurs dettes publiques et autres obligations financières, Recueil Sirey, 1927.

[6] Voir Renaud Vivien, « Suspendre le remboursement de la dette pour protéger les droits de la population »

[7] Certains gouvernements au Sud et au Nord peuvent également être considérés à juste titre comme non démocratiques. Leur dette fait l’objet d’un traitement particulier dans d’autres sous-sections. Dans cette première sous-section, nous ne traitons que des dettes contractées par les dictatures notoires.

[8] Lire la position du CADTM sur la dette odieuse (2008)

[9Résolution de juillet 2011 adoptée par le Sénat belge et résolution du Parlement européen de mai 2012 sur la stratégie de l’UE en matière de commerce et d’investissements pour le sud de la Méditerranée après les révolutions du Printemps arabe

[10] L’article 53 dispose : « Est nul tout traité qui, au moment de sa conclusion, est en conflit avec une norme impérative du droit public international général. Aux fins de la présente Convention, une norme impérative de droit international général est une norme acceptée et reconnue par la communauté internationale des États dans son ensemble en tant que norme à laquelle aucune dérogation n’est permise et qui ne peut être modifiée que par une nouvelle norme du droit international général ayant le même caractère  ».

[11] Lire la position du CADTM sur la dette odieuse (2008)

[12] Ces prêts toxiques ont été estimés à 13,6 milliards pour les seules collectivités françaises par la Commission d’enquête parlementaire sur les produits à risque souscrits par les acteurs publics locaux.

[13] Voir George Katrougalos, « La dette grecque à la lumière du droit constitutionnel et du droit international »

[14] Lire la synthèse des arguments juridiques sur : http://www.cadtm.org/Resume-du-recours-Dexia-intente et sur www.sauvetage-dexia.be

[15] Civ. 3Ème, 6 novembre 1970, Bull. N°587.

[16] Civ. 1re, 19 mai 1958, Bull. N°251.

[17] En 2008, Dexia proposait 223 prêts différents reposant sur des indices « exotiques » plus spéculatifs les uns que les autres : la parité entre l’euro et le franc suisse, mais aussi le yen, le dollar, l’inflation, les indices de la courbe des swaps, jusqu’au cours du pétrole ! Avec de tels prêts dits « toxiques », la banque peut multiplier ses marges par 2 ou 3, voire davantage. Les acteurs publics locaux se trouvent quant à eux piégés par des taux d’intérêt de plus de 20%.

[18] Lire « France : les dettes publiques locales, un enjeu citoyen essentiel » par Patrick Saurin.

[19] Lire le chapitre 5 du livre La dette ou la vie, Aden/CADTM, 2011.

[20] Résolution 20/10 du 18 juillet 2012 (A/HCR/RES/20/10), téléchargeable à partir de http://ap.ohchr.org/documents/dpage_e.aspx?si=A/HRC/RES/20/10

[21] Mohammed Bedjaoui, « Neuvième rapport sur la succession dans les matières autres que les traités », A/CN.4/301et Add.l, p. 73.

[22http://cadtm.org/IMG/pdf/chiffresdeladette_2012.pdf

[23] Marc Raffinot, La dette des tiers mondes, 1993, Collection Repères.

[24] C’est nous qui soulignons.

[25] Monique Picard Weil, « Du droit de refuser d’honorer certaines dettes extérieures. Essai d’inventaire », in XIIe congrès de l’AIJD, août 1984.

[26http://cadtm.org/Les-Chiffres-de-la-dette-2012

 

 

[1]

[2]

[3]

[4]

[5]

[6]

[7]

[8]

[9]

[10]

[11]

[12]

[13]

[14]

[15]

[16]

[17]

[18]

[19]

[20]

[21]

[22]

[23]

[24]

[25]

[26]