مايكل روبرتس*

انعقدت قمة قادة مجموعة العشرين نهايةَ هذا الأسبوع (21- 22 نوفمبر 2020)، ليس جسديا لكن عبر تقنية الفيديو. القمة استضافتها، بفخر، المملكة العربية السعودية؛ معقل الديمقراطية والحقوق المدنية! ركز قادة مجموعة العشرين على وقع وباء كوفيد- 19 على الاقتصاد العالمي.

بشكل خاص، انزعج القادة من الزيادة الهائلة في الإنفاق العام الناتجة عن الركود الذي أرغم الحكومات الرأسمالية على تلطيف تأثير الأزمة على المقاولات/ الشركات، كبيرة وصغيرة، وعلى الساكنة النشيطة بشكل عام. ويقدر صندوق النقد الدولي أن مجموع الحوافز المالية والنقدية للاقتصادات المتقدمة يعادل %20 من الناتج المحلي الإجمالي. حسب نفس الصندوق، فالبلدان ذات الدخل المتوسط ​​في العالم النامي كانت قادرة على القيام بأقل من ذلك، لكنها طبقت استجابة مشتركة تعادل %6 أو %7 من الناتج المحلي الإجمالي. أما استجابة الدول الأكثر فقرا فقد كانت أكثر تواضعا. لم يتعدَّ ما ضخته هذه الدول مجتمعة، ردا على الوباء، %2 من إنتاجها المحلي، ما سيجعلها أكثر عرضة لركود طويل الأمد، وسيلقي بملايين الناس في دائرة الفقر.

يزداد الوضع إلحاحًا مع بدء الإحساس بألم أزمة الوباء. هذا الأسبوع، صنفت زامبيا سادسَ دولةٍ نامية تتخلف عن سداد أو تعيد هيكلة ديونها في عام 2020، ومن المتوقع دول أخرى مع تضاعف الكلفة الاقتصادية للفيروس- حتى في ظل الأنباء السارة حول اللقاحات المحتملة.

علقت الفاننشيال تايمز: “يعتقد بعض المراقبين أنه حتى البلدان النامية الكبيرة مثل البرازيل وجنوب إفريقيا، وكلاهما عضو في مجموعة دول مجموعة العشرين الكبرى، يمكن أن تواجه تحديات خطيرة في تأمين التمويل في غضون 12 إلى 24 شهرًا المقبلة”.

حتى الآن، لم تفعل حكومات مجموعة العشرين الكثير لتفادي أو تخفيف كارثة الديون القادمة. أعلنت كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، في أبريل، أن احتياجات التمويل الخارجي للبلدان الصاعدة والنامية ستكون “بتريليونات الدولارات”. أقرض صندوق النقد الدولي ذاته 100 مليار دولار على شكل قروض طارئة. وخصص البنك الدولي 160 مليار دولار من أجل الإقراض لمدة 15 شهرا. لكن البنك الدولي نفسه قدر أن “الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط ستكون بحاجة إلى 175 حتى 700 مليار دولار كل سنة”.

كان تأجيل أداء خدمة الديون (ISSD) هو الابتكار الوحيد الذي أعلنت عنه بشكل منسق مجموعة العشرين في أبريل. سمح لـ 73 من أفقر دول العالم بتأجيل السداد. لكن تأجيل السداد ليس حلا- لا تزال الديون قائمة. وحتى إذا أبدت حكومات مجموعة العشرين المزيد من التساهل، فإن المقرضين الخواص (البنوك وصناديق التقاعد وصناديق المضاربة والسندات المستحقة) يستمرون في المطالبة بالمزيد.

في الاقتصادات المتقدمة وبعض اقتصادات الأسواق الصاعدة، أسهم شراء الديون الحكومية من طرف البنوك المركزية على إبقاء أسعار الفائدة منخفضة تاريخيًا وعلى دعم الاقتراض الحكومي. كانت الاستجابة المالية إزاء الأزمة، في هذه الاقتصاديات، هائلة. أما العديد من حكومات البلدان الناشئة المثقلة بالديون والاقتصادات ذات الدخل المنخفض، فكان لديه مرونة محدودة لزيادة الاقتراض، مما أعاق قدرته على زيادة الدعم لأولئك الأكثر تضرراً من الأزمة. واجهت هذه الحكومات اختيارات صعبة. على سبيل المثال، ستمثل نسبة الدين العام %480 من حجم إيرادات 35 دولة من أفريقيا جنوب الصحراء، المؤهلة للاستفادة من مبادرة تأجيل سداد خدمة الدين (ISSD).

حتى قبل تفشي الوباء، بلَغ الدين العالمي مستويات قياسية. وفقًا لتقرير معهد التمويل الدولي (IIF)، حول الأسواق “الناضجة”، تجاوز معدل الدين %432 من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2020، بزيادة أكثر من 50 نقطة مئوية على أساس سنوي. ويُتوقع أن يبلغ إجمالي الدين العالمي 277 مليار دولار بحلول نهاية العام، أي %365 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

سُجِّلَت معظم الزيادة في الديون داخل ما يسمى بالاقتصادات النامية في الصين، حيث زادت البنوك الحكومية الإقراض، في حين زاد “البنك الموازي” “banque parallèle” الإقراض، ونفذت الحكومات المحلية مشاريع عقارية وبنية تحتية متزايدة باستخدام بيع الأراضي لتمويلها أو للاقتراض.

يُقدِّرُ العديد من الخبراء “الغربيين” أنه نتيجة لذلك، ستتجه الصين نحو أزمة تَخَلُّفٍ كبيرة عن سداد الدين ستلحق أضرارًا جسيمة بحكومة بكين واقتصادها. لكن مثل هذه السيناريوهات جرى توقعها على مدى العقدين الماضيين منذ “إعادة تعديل الأصول” “réajustement des actifs” الصغيرة بعد عام 1998. والرغم ارتفاع مستويات الدين في الصين، فإن وقوع مثل هذه الأزمة قليل الاحتمال.

أولاً، تمتلك الصين، عكسَ الاقتصادات الصاعدة الكبيرة والصغيرة الأخرى ذات الديون المرتفعة، احتياطيًا ضخمًا من العملات الأجنبية يبلغ 3 مليارات دولار. ثانيًا، أقل من %10 فقط من ديونها مستحقة للأجانب، على عكس دول مثل تركيا وجنوب إفريقيا وجزء كبير من أمريكا اللاتينية. ثالثًا، الاقتصاد الصيني ينمو، وقد تعافى من أزمة الوباء بشكل أسرع بكثير من اقتصادات مجموعة العشرين الأخرى، التي لا تزال في أزمة.

فضلا عن ذلك، إذا أفلس أي من البنوك أو الشركات المالية (وبعضها أفلس)، فإن النظام المصرفي للدولة والدولة نفسها على استعداد لدفع الفاتورة أو السماح “بإعادة الهيكلة”. لدى الدولة الصينية القدرة على إعادة هيكلة القطاع المالي- كما أبانها الحظر الأخير للإطلاق المخطَّط لـ”بنك” جاك ما “Finbank”. وبشكل خاص، هناك إشارة جادة على أن القطاع المالي والعقاري في الصين أصبح “أكبر من أن يفشل”، يمكن للحكومة أن تتدخل وستتدخل. لن يكون هناك انهيار مالي. هذه ليست صورة بقية مجموعة العشرين.

الأكثر أهمية، أن ارتفاع الديون على مستوى العالم لم يقتصر على ديون القطاع العام فحسب، بل أيضًا على القطاع الخاص، وخاصة ديون الشركات. رفعت الشركات في جميع أنحاء العالم مستويات ديونها حين كانت أسعار الفائدة منخفضة حتى الصفر. قامت بذلك شركاتُ التكنولوجيا الكبرى لتكوين السيولة، وإعادة شراء الأسهم لرفع أسعارها أو لإحداث عمليات اندماج، لكن الشركات الصغيرة، التي كانت ربحيتها منخفضة لعقد أو أكثر، فقد قامت بذلك فقط للحفاظ على رأسها فوق سطح الماء/ لتفادي الإفلاس. تتحول هذه المجموعة الأخيرة أكثر وأكثر إلى زومبي (بمعنى أن الأرباح لم تكن كافية حتى لتغطية رسوم الفائدة على الدين). إنها وصفة لتَخَلُّفٍ محتمل عن السداد، متى من المتوقع أن ترتفع أسعار الفائدة.

ما المخرج من المأزق؟ أحد الحلول المقدمة هو المزيد من الائتمان. في مجموعة العشرين، سيضغط مسؤولو صندوق النقد الدولي وغيرهم ليس فقط من أجل تمديد مبادرة تأجيل سداد خدمة الدين (ISSD)، ولكن أيضًا من أجل مضاعفة القوة الائتمانية لصندوق النقد الدولي من خلال حقوق السحب الخاصة (DTS). وهي شكل من أشكال العملات الدولية، كالذهب بمعنى ما، ولكنه عملة ورقية تُقَدَّرُ قيمتها بسلة من العملات الرئيسية مثل الدولار واليورو والين ويصدرها صندوق النقد الدولي فقط.

أصدرها صندوق النقد الدولي أثناء الأزمات الماضية، ويدافع مؤيدوها عن ذلك حاليا. لكن الولايات المتحدة عارضت المقترَح في أبريل الماضي. صرحت ستيفاني بلانكنبورج، رئيسة قسم الديون وتمويل التنمية في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD): “تعني حقوق السحب الخاصة إعطاء سيولة غير مشروطة للبلدان النامية”. “إذا لم تتمكن الاقتصادات المتقدمة من التوصل إلى اتفاق بشأن هذا، فإن النظام متعدد الأطراف سيفلس بأكمله عمليًا”.

ما مدى صحة هذا؟ ولكن هل المزيد من الديون (عفوا، “الائتمان”) المتراكمة على قمة الجبل الحالي حل، حتى على المدى القصير؟ لماذا لا يوافق قادة مجموعة العشرين- بدلاً من ذلك- على شطب ديون الدول الفقيرة ولماذا لا يصرون على قيام الدائنين من القطاع الخاص بالمثل؟

بالطبع، الإجابة واضحة. وهذا يعني خسائر فادحة على مستوى العالم لحاملي السندات والبنوك، مما قد يؤدي إلى أزمة مالية في الاقتصادات المتقدمة. في الوقت الذي تعاني فيه الحكومات من عجز هائل في الميزانية ومستويات دين عام أعلى بكثير من %100 من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها ستواجه بعد ذلك عملية إنقاذ ضخمة للبنوك والمؤسسات المالية مع اقتراب تفاقم عبء الدين الناشئ la dette émergente.

مؤخرا، سُئل كبير الاقتصاديين السابق في بنك التسويات الدولية، ويليام وايت، عن سبل المضي قدمًا. وايت عضوٌ قديم في المدرسة النمساوية للاقتصاد، التي تعزو أزمات الرأسمالية ليس إلى التناقضات المتأصلة في نمط الإنتاج الرأسمالي، ولكن إلى التوسع “المفرط” و”غير المضبوط” للائتمان/ الاقتراض. يحدث هذا لأن المؤسسات ذات الأداء غير “المثالي” لأسواق المال الرأسمالية تتدخل في خلق الفائدة والمال، وخاصة البنوك المركزية.

يوقف وايت سبب أزمة الديون التي تلوح في الأفق على عتبات البنوك المركزية. “لقد نَفَّذت سياسات سيئة على مدى العقود الثلاثة الماضية، مما أدى إلى ارتفاع الديون وزيادة عدم الاستقرار في النظام المالي”. وتابع قائلا: “ما أعنيه هو أن البنوك المركزية تخلق حالة من عدم الاستقرار، ومن ثم يتعين عليها إنقاذ النظام خلال الأزمة، وبهذا تخلق المزيد من عدم الاستقرار. ينتهون بإطلاق النار على أقدامهم/ بوضع العصا في العجلة”.

هناك شيء من الحقيقة في هذا التحليل، كما اعترف به الاحتياطي الفيدرالي في تقريره الأخير عن الاستقرار المالي في الولايات المتحدة. هناك زيادة قدرها سبعة تريليونات دولار في أصول البنك المركزي لمجموعة السبع في ثمانية أشهر فقط، عكس الزيادة البالغة ثلاثة تريليونات دولار في العام الذي أعقب انهيار ليمان براذرز في 2008. اعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن الاقتصاد العالمي كان في وضع صعب قبل الوباء ويحتاج إلى المزيد. ضخ الائتمان: “بعد التعافي العالمي الطويل من الأزمة المالية لعام 2008، أضحت آفاق نمو الشركات وأرباحها ضعيفة توقعات نمو الشركات وأرباحها في أوائل عام 2020، وأصبحت أكثر غموضا”. ولكن في حين نتج عن عمليات ضخ الائتمان “انخفاضُ تكاليف التمويل مما أدى إلى تقليل عبء الدين”، فقد شجع على تراكم الديون الجديدة، إلى جانب انخفاض جودة الأصول وانخفاض معايير الاكتتاب الائتماني، ما “يعني أن الشركات ستصبح أكثر عرضة لخطر حدوث ركود اقتصادي كبير أو ارتفاع غير متوقع في أسعار الفائدة. لذلك أصبح المستثمرون أكثر حساسية للتغيرات المفاجئة في ثقة الأسواق وتشديد شروط التمويل استجابة للصدمات”.

أدت عمليات الضخ التي نفذتها البنوك المركزية إلى إعادة طرح المعضلة، لكنها دون حلها في الواقع: “استهدفت الإجراءاتُ التي اتخذتها البنوك المركزية استعادةَ عمل السوق وليس معالجة نقاط الضعف الأساسية التي تسببت في تفاقم الضغوط في الأسواق. لا يزال النظام المالي عرضة لمزيد من ضغوط السيولة، لأن الهياكل والآليات الأساسية التي تسببت في الأزمة لا زالت قائمة”. يتراكم الائتمان على الائتمان والحل الوحيد هو المزيد من الائتمان.

يدافع وايت على حلول أخرى. “لن تكون هناك عودة إلى نوع من الوضع الطبيعي/ العادي دون مواجهة المديونية المفرطة. ها هو الفيل في الغرفة. إذا حصل إجماع على أن سياسات الثلاثين عامًا الماضية خلقت جبلًا متزايدًا من الديون واضطرابًا متزايدًا في النظام، فعلينا مواجهة هذا”.

يقترح [وايت] “أربع سبل للتخلص من المديونية الزائدة. أولاً، تحاول الأسر والشركات والحكومات ادخار المزيد لسداد ديونها. لكننا نعلم أن هذا يقود إلى مفارقة “الادخار الكينزي”، حيث ينهار الاقتصاد. لذا فإن هذه الطريقة تؤدي إلى كارثة”. لذلك، يجب ألا نتوجه نحو “التقشف”.

الطريقة الثانية: “يمكنك محاولة الخروج من ضائقة الديون من خلال نمو اقتصادي حقيقي وأقوى. لكننا ندرك أن المديونية المفرطة تعيق النمو الاقتصادي الحقيقي. بالطبع، يجب أن نحاول زيادة النمو المحتمل من خلال الإصلاحات الهيكلية، ولكن من غير المرجح أن يكون هذا هو الحل السحري الذي سينقذنا”. يقول وايت إن هذه الطريقة الثانية لا يمكن أن تنجح إذا كان الاستثمار الإنتاجي منخفضًا للغاية لأن عبء الدين مرتفع للغاية.

ما يغفله وايت هو المستوى المنخفض الحالي لربحية رأس المال الذي يمنع الرأسماليين من الاستثمار بشكل منتج بائتمانهم الإضافي. ويقصد وايت بـ”الإصلاحات الهيكلية” تسريحَ العمال واستبدالهم بالتكنولوجيا وتدمير ما تبقى من حقوق وشروط العمل. يقول إن هذا قد ينجح، لكنه لا يعتقد أنه سيجري تنفيذه بشكل كافٍ من قبل الحكومات.

يتابع وايت الحديث: “وهكذا يتبقى مسارين: نمو اسمي أعلى- أي تضخم أعلى- أو محاولة التخلص من الديون غير القابلة للاسترداد عن طريق إعادة هيكلتها وشطبها”. قد يكون التضخم المرتفع خيارًا جيدًا، ولكن هذا يعني في الواقع، أن الدين يجري سداده بالقيمة الحقيقية مما يقلل من مستوى معيشة معظم الناس. واستيفاء القيمة الحقيقية للقروض التي تقدمها البنوك. يربح المُقرِضون على حساب الدائنين والعمال.

يختار وايت، كونه نمساويًا جيدًا [من المدرسة الاقتصادية النمساوية]، إلغاءَ الديون. “هذا ما أوصي به بشدة. عالج المشكلة، وحاول تحديد الديون غير القابلة للاسترداد وإعادة هيكلتها بأكثر الطرق تنظيماً. لكننا نعلم مدى صعوبة الجمع بين الدائنين والمدينين لحل هذه المشكلة بشكل تعاوني. إجراءاتنا الحالية غير كافية على الإطلاق”. في الواقع، بصرف النظر عن الصندوق النقد الدولي- مجموعة العشرين والبقية التي ليس لديها “هياكل” للقيام بذلك، فإن هذه المؤسسات الرائدة لا تريد التسبب في انهيار مالي وركود أعمق من خلال “تصفية” الديون، كما اقترح مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية ذلك. خلال فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات.

ستوافق مجموعة العشرين، بدلاً من ذلك، على تمديد خطة تأجيل سداد خدمة الدين (ISSD)، لكنها لن تلغي أي ديون. ربما لن توافق حتى على توسيع صندوق حقوق السحب الخاصة. عوضا عن ذلك، تأمل فقط في أن تدار الأزمة على حساب البلدان الفقيرة وشعوبها، والعمال في جميع أنحاء العالم.

ترجمة : لجنة الاعلام الوطنية أطاك المغرب

الرابط الاصلي للمقال

* مايكل روبرتس: عمل خبيرا اقتصاديا في مدينة لندن (المدينة) لأكثر من 30 عامًا. وهو مؤلف للعديد من الكتب عن الاقتصاد العالمي بما في ذلك “الركود العظيم” و “الكساد الطويل” و “العالم في أزمة”. كما لديه مدونة: thenextrecession.wordpress.com