السؤال الرابع من سلسلة “11 سؤالاً / 11 إجابة حول أزمة الديون العالمية الجديدة وإمكانيات الحد منها بصورة جذرية.

بقلم: إريك توسان، أوليفييه بونفوند، ماتس لوسيا باير

اليوم، تعتقد الغالبية العظمى من شعوب أوروبا والعالم أنه يجب دائمًا تسديد الدين. وراء هذه الفكرة حجة أخلاقية بسيطة ويبدو أنها صعبة الدحض: إذا اقترضت أموالًا، فمن العادي ردُّها، وإلا فهذا خيانةٌ للأمانة أو سرقة. ومع ذلك، فالقول بوجوب الوفاء دائما بالدين العام يُعَدُّ سوءَ فهم للقانون الدولي. من ناحية أخرى، ولأن الدين عقدٌ بين طرفين، كأي عقد، يجب أي يستوفي شروطا معينة حتى يكون سليما. من ناحية أخرى، تنص العديد من المواثيق والعهود الدولية بوضوح شديد على أن الحقوق الإنسانية. أعلى من حقوق الدائنين.

عموما، هناك نوع واحد من الدين العام يمكن تعليق سداده وثلاثة أنواع من الديون يمكن إلغاؤها.

1) الديون غير المُطاقَة/ التي لا يمكن تحمُّلها: الديون التي يَمنع سدادُها الحكومة من الوفاء بالتزاماتها فيما يتعلق بالحقوق الأساسية (الحق في التعليم والصحة وما إلى ذلك).

لإعلان عدم إمكانية تحمل الديون وتعليق سدادها أحادي الجانب، يمكن للدولة أن تعتمد على القانون الدولي وعلى ثلاثة مفاهيم قانونية: حالة الضرورة، والتغير الأساسي للظروف، والقوة القاهرة.

يمكننا أن نقرأ في ميثاق الأمم المتحدة، وهو قلب القانون الدولي والوثيقة التي يجب على الدول احترامها: “في حالة التعارض بين التزامات أعضاء الأمم المتحدة بموجب هذا الميثاق والتزاماتهم بموجب أي اتفاق دولي آخر، تكون الأولوية للأولى”.

كما ذكرت لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة سنة 1980: “لا يمكن أن نتوقع من دولة إغلاقَ مدارسها وجامعاتها ومحاكمها، للتخلي عن الخدمات العامة بطريقة تترك مجتمعها في حالة من الفوضى كي تتمكن من الحصول على المال اللازم للوفاء لدائنيها الأجانب أو المحليين. هناك حدود لما يمكن توقعه من دولة، تمامًا مثل أي فرد “.

حالة الضرورة مفهوم قانوني تعترف به المحاكم والهيئات القضائية الدولية ومُعرَّف في المادة 25 من مسودة مواد لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة بشأن مسؤولية الدولة. تنص هذه الفقرة على أن الدولة يمكن أن تتخلى عن الاستمرار في سداد الديون لأن الوضع الموضوعي (الذي لا تكون مسؤولة عنه) يهدد السكان بصورة خطيرة، ما يمنعها من تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا من السكان. هذا المفهوم هو أيضا موضوع سوابق قانونية/ قضائية. على سبيل المثال، في قضية سوكوبيل، التي يرجع تاريخها إلى عام 1939 التي تواجهت فيها الشركة التجارية البلجيكية والحكومة اليونانية، أكد مستشار الحكومة اليونانية على حقيقة أن “العقيدة تعترف في هذا الموضوع بأسبقية واجب الحكومة في ضمان حسن سير الخدمات العامة على سداد ديونها “.

التغيير الأساسي للظروف. تقر السوابق القضائية بشأن تطبيق المعاهدات والعقود الدولية بأن التغيير الأساسي في الظروف يمكن أن يمنع تنفيذ العقد. لذلك يمكن تعليق سداد الدين إذا تغيرت الظروف بشكل أساسي خارج إرادة المدين. هذه الفكرة قابلة للتطبيق تمامًا في حالة أزمة كوفيد الحالية: وباء خطير للغاية وفي توسع، وهبوط حاد في النشاط الاقتصادي، وهروب رؤوس الأموال، وانخفاض مفاجئ في أسعار المواد الخام…

حالة القوة القاهرة. يتعلق الأمر بالمعيار المنصوص عليه في اتفاقية فيينا لعام 1969 بشأن قانون المعاهدات، وكذلك في العديد من القوانين الوطنية، وخاصة في مجال العقد. كما أنه جزء من القانون المتعارف عليه دوليا. تحدده لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة على النحو التالي: “حدث غير متوقع خارج إرادة المستدعى، مما يجعله عاجزا عن التصرف بشكل قانوني واحترام التزاماته الدولية”.

كما يعترف الفقه القانوني الدولي بهذه الحجة لتبرير تعليق سداد الديون تجاه الدائنين. من بين الأحكام التي أقرت بصلاحية تطبيق القوة القاهرة على العلاقات المالية “قضية التعويض الروسية”[1] التي تواجهت فيها تركيا روسيا القيصرية (مرت تركيا بأزمة مالية خطيرة بين عامي 1889 و1912 جعلتها غير قادرة على سداد مدفوعاتها): أقرت محكمة التحكيم الدائمة بمزايا حجة القوة القاهرة التي قدمتها الحكومة التركية، قائلة إن “القانون الدولي يجب أن يتكيف مع الضرورات السياسية”.

بعض الملاحظات الهامة:

بالنسبة لغالبية بلدان الجنوب، حيث تُنتهك الحقوق الانسانية بانتظام وبشكل صارخ، فإن التعليق الفوري لسداد الديون له ما يبرره تمامًا. لكن مثل هذا التعليق مبرر أيضًا لدول الشمال. في الواقع، أحدثت أزمة كوفيد تغييرًا جوهريًا في الظروف، خارج إرادة الدول. بالإضافة إلى ذلك، يحدث هذا في وقت يتفشى فيه الفقر والهشاشة في أوروبا، وفي الوقت الذي أصبح فيه إجراء تحول جذري لأنماط الإنتاج والاستهلاك لدينا أكثر إلحاحا، إذا ما أردنا تجنب الكارثة المناخية والبيئة القائمة فعلا، يمكن لدول الشمال، ويجب عليها، إعادة التأكيد بقوة على أولوية الحقوق الانسانية على قانون الدائنين والقانون التجاري، وإعلان أن ديونها لا يمكن تحمُّلها، بسبب الضرورة والقوة القاهرة. القانون هو انعكاس لعلاقات القوة بشكل عام، لكنه يمكن أن يصبح أيضًا أداة للنضال من أجل التحرر الاجتماعي.

في حالة تعليق دولة ما سدادَ الدين بناء على واحد من هذه المفاهيم، فإن شرعية هذا الدين أو عدمها، تكون غير ذات أهمية. حتى إذا كان الدين المطلوب من الدولة شرعيًا، فإن هذا لا يمنع هذا البلد من تعليق الدفع.

يواصل القادة الليبراليون الادعاء بأن تعليق المدفوعات سيكون كارثة وسبب فوضى اقتصادية ومالية. لا شيء أقل يقينا مِن هذا الادعاء. أعلن إدواردو ليفي يياتي وأوغو بانيزا، وهما اقتصاديان سابقان في بنك التنمية للبلدان الأمريكية، عقب بحثهما حول حالات التخلف عن السداد التي شملت 40 دولة، أن “فترات التخلف عن السداد تمثل بداية الانتعاش الاقتصادي”[2]. أكد جوزيف ستيجليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، أن العواقب الكارثية لتأجيل سداد الديون ليست واقعية: “من الناحية التجريبية، هناك القليل من الأدلة لدعم فكرة كون التخلف عن السداد يؤدي إلى فترة طويلة من الاستبعاد من الوصول إلى الأسواق المالية. استطاعت روسيا الاقتراضَ مرة أخرى من الأسواق المالية بعد عامين من إعلان أحادي الجانب تعليق السداد، دون استشارة مسبقة مع الدائنين. بالتالي، ومن الناحية العملية، فإن التهديد بإغلاق صنبور الائتمان ليس حقيقيًا”. تحلل كارمن راينهارت وكريستوف تريبيش، في تقريرهما المعنون “مرآة بعيدة للديون والتعليق والإعفاء”، حوالي خمسين حالة من أزمات الديون في الاقتصادات “الصاعدة” و “المتقدمة”. وخلصا إلى أن البلدان التي خفضت ديونها (عن طريق تعليق السداد أو إعادة الهيكلة) شهدت زيادة في دخلها القومي ونموها القومي، وتناقص عبء خدمة الديون (ومخزونها) وتحسن ولوجها إلى الأسواق المالية. سنعرض في السؤال التالي عدة أمثلة ملموسة تؤكد أن تعليق الدفع يمكن أن يكون إيجابياً.

2) الديون الكريهة: ديون الديكتاتوريات أو الديون المستخدمة ضد مصالح السكان وعندما يعلم الدائن ذلك أو يكون في وضع يسمح له بمعرفته

استنادًا إلى سلسلة من الحالات التاريخية الملموسة، طور المحامي ألكسندر ساك[3] في عام 1927 عقيدة الدين البغيض/ الكريه.

الحالة الأولى: ديون الديكتاتوريات أو المستعمرات السابقة

يمكن وصف الديون المترتبة عن الديكتاتوريات أو الأنظمة الاستبدادية التي تؤدي إلى انتهاكات خطيرة للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكان على أنها بغيضة/ كريهة. كتب ساك: “إذا تعاقدت سلطة استبدادي على دين لا بناء على احتياجات الدولة ومصالحها ولكن لتحصين نظامها الاستبدادي، لقمع السكان الذين يحاربونها، فإن هذا الدين مكروه لسكان الدولة بأكملها. لا يُلزمُ هذا الدَّين الأمة: إنه دَين نظام، دين شخصي للسلطة التي تعاقدت عليه، وبالتالي فإنه يسقط مع سقوط هذه القوة”[4].

في حالة الديكتاتوريات، فإن وجهة [صرف] القروض ليست أساسية لتوصيف الدين. في الواقع، فإن دعم نظام إجرامي ماليا، حتى لو كان لتمويل المستشفيات أو المدارس، يرقى إلى مستوى تعزيز نظامه، والسماح له بالحفاظ على نفسه. أولاً، يمكن استخدام بعض تلك الاستثمارات المفيدة (الطرق والمستشفيات…) لأغراض بغيضة، دعم المجهود الحربي على سبيل المثال. وبالتالي، يعني مبدأ قابلية تبادل الأموال أن الحكومة التي تقترض رسميًا لأغراض تعود بالنفع على السكان يمكنها في الواقع استخدام هذه الأموال لأغراض أخرى، بما يتعارض مع المصلحة العامة.

تذكر أيضًا واجب المقرضين بالتزام اليقظة: لا يمكنهم إقراض أي شخص، وخاصة الديكتاتوريات سيئة السمعة. كقاعدة عامة، هناك تقارير رسمية من منظمات حقوق الإنسان أو الأمم المتحدة التي تمكن المقرضين المحتمَلين من التعرف على حالة حقوق الإنسان في البلدان المختلفة. لا يمكنهم إذن ادعاء جهلهم، كما لا يمكنهم المطالبة بالسداد. كتب جوسيف ستيجليتز، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد: “عندما أقرضَ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المال لموبوتو، (…) كانا يعلمان (أو كان عليها ذلك) أن هذه المبالغ، لن يُستخدَم معظمها في مساعدة فقراء البلد وإنما لإثراء موبوتو. كان هذا الزعيم الفاسد يتقاضى أجرًا ليحافظ على تحالف بلاده القوي مع الغرب. جوزيف ستيجليتز، خيبة الأمل الكبرى، فايارد، 2002.

للديون الكريهة أوجه عدة في بلدان الجنوب: ديكتاتوريات سوهارتو في إندونيسيا (1965- 1998)، مبارك في مصر (1981- 2011)، موبوتو/ في الزايير جمهورية الكونغو الديمقراطية (1965- 1997)، بينوتشي في الشيلي (1973- 1990)، بن علي في تونس (1987- 2011)… لكن أيضا في بلدان الشمال. لا يجب أن ننسى ديكتاتورية سالازار في البرتغال بين 1933 و1974، وديكتاتورية فرانكو في إسبانيا بين 1939 و1975، والديكتاتورية العسكرية في اليونان بين 1964 و1964. على الرغم من وجود عدد أقل من الديكتاتوريات سيئة السمعة في عصرنا، لا يزال بعضها قائما: المملكة العربية السعودية، مصر، تشاد، سوريا… جميع عقود الدَّين مع هذه البلدان يمكن، ويجب، إنهاؤها.

يجب علينا أيضًا النظر في جميع الديون التي تعاقدت عليها القوى الاستعمارية لاحتلال البلاد وتحميل التبعات للمستعمرة. يقول ألكسندر ناحوم ساك، مُنظِّر الدين البغيض، في أطروحته القانونية لعام 1927: “عندما تتعاقد الحكومة على ديون من أجل استعباد أو استعمار سكان جزء من أراضيها، فإن هذه الديون بغيضة بالنسبة للسكان الأصليين، لذلك الجزء من أراضي الدولة المدينة”[5].

شكلت هذه الفكرة موضوعَ اجتهادات قضائية مهمة، لا سيما عبر معاهدة فرساي لعام 1919، التي ألغت ديونا تعاقدت عليها ألمانيا لاستعمار جزء من بولندا وأفريقيا. تنص المعاهدة على أن الدائنين الذين أقرضوا ألمانيا لانجاز مشاريع في الأراضي البولندية يمكنهم فقط المطالبة بما يستحقون من تلك السلطة وليس من بولندا. تنص المادة 255 من معاهدة فرساي على ما يلي: “فيما يتعلق ببولندا، سيجري استبعاد جزء الدين الذي ستنسبه لجنة التعويضات إلى التدابير التي اتخذتها الحكومتان الألمانية والبروسية على إثر الاستعمار  الألماني لبولندا من النسبة المفروضة على هذه الأخيرة”.

في نفس السياق، أعلنت معاهدة السلام بين فرنسا وإيطاليا، عام 1947، إثر الحرب العالمية الثانية،  أنه “من غير المعقول أن تتحمل إثيوبيا عبء الديون التي تعاقدت عليها إيطاليا من أجل ضمان سيطرتها على الأراضي الإثيوبية”.

سعت بلجيكا وفرنسا وبريطانيا العظمى، عموما وبنجاح، أثناء استقلال مستعمراتها الأفريقية، لإلزام سلطات الدول المستقلة الجديدة بتحمل كل أو جزء من الديون المتكبدة لاستعمارها. يشكل هذا انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي وعملًا لا يمكن أن يمر دون عقاب. كل هذه الديون لاغية وباطلة.

ملاحظة مهمة: يجب علينا أيضًا تصنيف جميع الديون المتعاقَد عليها لسداد الديون التي تعتبر كريهة على أنها أيضا كذلك. تُماثِل المؤسسة الاقتصادية الجديدة[6] بصورة صحيحة، بين القروض التي تهدف إلى سداد القروض البغيضة وعملية غسيل الأموال. يجب أن تُمكِّن أداة التدقيق/ الافتحاص من تحديد شرعية هذه القروض من عدمها.

الحالة الثانية: الدين المتعاقَد عليه ضد مصالح السكان وبعلم من الدائنين

على عكس ما يؤكده، في كثير من الأحيان، الأكاديميون أو الحركات الاجتماعية في إشارة إلى عقيدة الدين الكريه، لا يعتبر ساك حقيقة كون الدولة المدينة هي نظام استبدادي شرطًا لا غنى عنه لوصف الدين بأنه كريه. في الواقع، يحدد ساك المعيارين اللذين يجب استيفاؤهما لاعتبار الدين كريهًا: (1) أن يكون التعاقد عليه مُناقضا لـ مصالح الأمة، أو لـ مصالح الشعب، أو لـ مصالح الدولة؛ (2) أن يعجز الدائنون عن إثبات جهلهم بأن الدين قد جرى التعاقد عليه ضد مصالح الأمة.

وبالتالي فإن طبيعة النظام أو الحكومة المتعاقدة ليست بذات أهمية. ما يهم هو كيفية استخدام هذا الدين/ أوجه صرفه. يمكن أيضا اعتبار الدين كريها في حالة اقتراض حكومة ديمقراطية ضد مصالح الشعب، إذا كان يفي بالشرط الثاني.

أضاف: ” هاتان النقطتان جرى إثباتهما، إذ يقع على عاتق الدائنين عبءُ إثبات أن الأموال الناتجة عن القروض المذكورة أعلاه لم تُستخدم في الواقع لتمويل احتياجات بغيضة ضارة بالسكان في كل أو جزء من الدولة، ولكن من أجل الاحتياجات العامة أو الخاصة لتلك الدولة”.

كما سنرى في السؤال 5، فإن فكرة الديون الكريهة هي موضوع اجتهادات/ سوابق قضائية مهمة وملموسة.

كانت أربع ولايات في الولايات المتحدة هي الرائدة في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، وهي ميسيسيبي وأركنساس وفلوريدا وميشيغان. كانت أسباب التنصل هي إساءة استخدام الأموال المقترضة وخيانة الأمانة من جانب المقترضين والمقرضين. تبعتها المكسيك. في عام 1861 ومرة ​​أخرى في عام 1867، أعلنت المكسيك من جانب أحادي أن الديون المتعاقدَ عليها من 1857 إلى 1860 ومن 1863 إلى 1867، ديونٌ كريهة وتنصلت منها. في أعقاب حرب الانفصال (1861-1865)، أجبرت الحكومة الفيدرالية برئاسة أبراهام لنكولن الولايات الجنوبية على التنصل من الديون التي تعاقدت عليها لشن الحرب دفاعاً عن نظام العبودية.

في عام 1898، أُعلِن أن ديون كوبا التي تطالب بها إسبانيا الولاياتِ المتحدة كريهةً وأُلغِيت. في عام 1918، تنصلت حكومة السوفييت من الديون الكريهة التي اقترضها النظام القيصري. في عام 1922، أعلنت الجمعية التأسيسية لكوستاريكا أن ديون هذه الأخيرة التي طالب بها البنك الملكي الكندي كريهة وألغتها. بعد ذلك، أصدر رئيس المحكمة العليا للولايات المتحدة حكمًا أثبت حجج كوستاريكا. [انظر السؤال 5].

3) الديون غير الشرعية: ديون لا تحترم الدستور أو القوانين النافذة في الأمور التعاقدية

الدَّين عقدٌ بين طرفين. ومع ذلك، لكي يعتبر هذا العقد ساري المفعول، يجب أن يمتثل لمجموعة من الشروط والإجراءات القانونية، بموجب كل من القانون الوطني والدولي، وإلا يمكن اعتباره باطلاً. هناك العديد من الأمور يمكن أن تجعل الدين غير قانوني. وسنشير إلى بعضها.

عدم احترام المعاهدات الدولية

مثال: انتهكت الدول الأوروبية التي أقرضت اليونان في 2010 و2012 و2015 التزاماتها المحددة بموجب القانون الدولي وقانون الاتحاد. في الواقع، تنطوي الشروط المفروضة في عقود القروض هذه على انتهاك للحقوق الاجتماعية والاقتصادية الأساسية. مع ذلك، فإن الدول الأعضاء في منطقة اليورو صادقت على العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وعلى هذا النحو، فهي مُطالبَةٌ بالامتثال للالتزامات المنصوص عليها في هذا العهد، بما في ذلك خارج أراضيها الوطنية. بالإضافة إلى ذلك، ورد في المادة 9 من معاهدة عمل دول الاتحاد الأوروبي: “عند تحديد سياساته وإجراءاته وتنفيذها، يأخذ الاتحاد بـ الاعتبار توفير مستوى عالٍ من التشغيل، وضمان الحماية الاجتماعية الكافية، ومكافحة الإقصاء الاجتماعي، بالإضافة إلى مستوى عالٍ من التعليم والتدريب وحماية صحة الإنسان”. تنطوي الشروط المتبثة في العقود المبرمة بشأن هذه القروض على تدمير للعديد من الوظائف، وعلى هجمات قاسية للغاية على الضمان الاجتماعي اليوناني، وبالتالي تنتهك بشكل مباشر بصورة مباشرة هذه المادة 9.

عدم احترام/ خرق للدستور

لكي يكون إبرام الدين صحيحًا، تُعد موافقة شخص أو مؤسسة مُلزِمة أحيانا. في العديد من البلدان، فإن البرلمان يتمتع بميزة الاختصاص، ويجب استشارته قبل التعاقد على الدَّين.

مثال: في اليونان، جرى تنفيذ مَنح القروض التي أُبرِمت مع الترويكا سنة 2010 دون استشارة البرلمان ومصادقته، على الرغم من أن هذا كان التزامًا دستوريًا. في الواقع، تنص المادتان 28 و36 من الدستور اليوناني على أن البرلمان يجب أن يعطي موافقته على أي اتفاقية دولية.

عدم احترام القانون

مثال: ينص القانون الفرنسي على أنه “لا يمكن للسلطات المحلية التصرف بصورة قانونية إلا لدواعٍ تتعلق بالمصلحة العامة ذات الطابع المحلي”. لذلك يمكن اعتبار جميع القروض “السامة” ؟ للسلطات المحلية الفرنسية والتي تستند إلى المضاربة غير قانونية.

احتيال أو تزوير

المناورات الاحتيالية (خيانة الأمانة، الأكاذيب، الإغفالات الخطيرة، إلخ) التي تهدف إلى دفع شخص. طبيعيا كان أم ذا صفة قانونية  لتوقيع العقد.

مثال: في أكتوبر 2020 ، أدانت محكمة الاستئناف بباريس شركة BNP Paribas Personal Finance، وهي شركة تابعة لـ BNP Paribas، ووجدتها “مذنبة بممارسة تجارية خادعة” لتسويقها، بين عامي 2008 و2009، قروضا عالية المخاطر، مُقَوَّمَة بالفرنك السويسري ولكنها قابلة للاسترداد باليورو، عبْر القروض السامة للسلطات المحلية الفرنسية ورسم صورة عن هذه المنتجات ممفرطة في التفاؤل، أي الغياب الفعلي للمخاطر. لم يحترم البنك التزامه بإبلاغ عملائه.

بند حصة الأسد Clauses léonines

بند يعطي ميزة غير متناسبة ومفرطة لصالح أحد طرفي العقد.

مثال: قروض البنوك البريطانية للدول المستقلة حديثًا في عشرينيات القرن التاسع عشر كانت بصورة صريحة عقودا مبرمة وفق بند حصة الأسد. وبالفعل، بالنسبة لورقة مالية صادرة بقيمة 100 جنيه، لن تحصل الدولة المدينة إلا على 65 جنيهاً، بينما يذهب الباقي إلى البنك كعمولة. ومع ذلك، سيكون على الدولة المدينة دَفْعَ معدلات تصل إلى 6٪، محسوبة، بالطبع، على دين 100، ليتم سدادها بالكامل.

مثال: تمكنت الحكومة الإكوادورية، بفضل عمل لجنة تدقيق الديون، من تبرير تعليقها للدفع [بناء] على وجود بند حصة الأسد والإثراء غير المشروع في بعض عقود القروض.

بنود تعسفية

أي بند أو شرط في العقد يؤدي، بمفرده أو بالاشتراك مع بند أو أكثر من البنود أو الشروط الأخرى، إلى اختلال واضح في التوازن بين حقوق والتزامات كلا الطرفين على حساب أحدهما.

مثال: في عقود القروض الممنوحة لليونان، قام الدائنون بإدراج بند يضمن أن اليونان ستفي بالتزاماتها حتى لو تبين أن الاتفاقيات غير قانونية!: “إذا كان أي من الأحكام الواردة في هذه الاتفاقية أو أصبح كليًا أو جزئيًا غير صالح أو غير قانوني أو مستحيل تطبيقه في إطار قانوني، فإن صلاحية وشرعية وإنفاذ الأحكام الأخرى الواردة في الاتفاقية لن تتأثر بذلك. سيجري تأويل الأحكام التي تُعد غير صالحة كليًا أو جزئيًا أو غير قانونية أو غير قابلة للتطبيق وفقًا لروح وهدف هذه الاتفاقية”.

4) ديون غير شرعية: ديون لا تعود بالنفع على المصلحة العامة بل على أقلية مميزة

لا يحدد القانون الدولي بدقة مفهوم الديون غير الشرعية. إلا أن العديد من الفقهاء المختصين بالقانون الدولي قد وضعوا معاييرَ لتحديد مفهوم عدم شرعية الدين العام. وفقًا للمحامي دافيد روزيي، فإن الالتزام بسداد الدين ليس مطلقًا وينطبق فقط على “الديون المأخوذة لمصلحة للمجتمع العامة”[7]. باختصار، يمكن القول إن الدين غير الشرعي هو دين جرى التعاقد عليه دون احترام للمصلحة العامة وتفضيل المصلحة الخاصة لأقلية ذات امتياز.

استُخدِم مفهوم الديون غير الشرعية عدة مرات في السنوات الأخيرة لتبرير إلغاء الديون.

قامت الحكومة النرويجية بتدقيق ديونها تجاه الدول النامية و أثبتت لا شرعيتها، ثم قررت إلغاءها من جانب واحد. (انظر السؤال 5).

اعتمدت الحكومة الإكوادورية، بعد إجراء تدقيق/ افتحاص كامل لدَينها، على فكرة عدم الشرعية لتبرير تعليق المدفوعات والتفاوض بشأن تخفيض كبير لهذا الدَّين. (انظر السؤال 5).

دعونا نضيف أن لجنة تدقيق الديون اليونانية أبرزت بوضوح الطبيعة غير الشرعية لجزء كبير من الديون المطالَبِ بها إزاء اليونان، ولا سيما من خلال إظهار أن عقود القروض قد جرى تصميمها وتنظيمها لغرض وحيد هو إنقاذ البنوك الخاصة الكبرى، لا سيما الفرنسية والألمانية، ولكن اليونانية أيضًا، من خلال السماح لها بحماية نفسها من انفجار فقاعة الائتمان الخاصة التي. أنشأتها –البنوك- نذكر أنه في عام 2010، كانت إعادة هيكلة الديون مطروحة على الطاولة وأن صندوق النقد الدولي نفسه اعتبرها ضرورية. مع ذلك، اتُخِذَ قرار تأجيلها. أوضح صندوق النقد الدولي سبب هذا التأجيل: “كانت إعادة هيكلة الديون أكثر فائدة لليونان، لكنها كانت غير مقبولة للشركاء الأوروبيين. أتاح تأجيل إعادة الهيكلة فرصة للدائنين الخواص لتقليل تعرضهم؟ وتحويل ديونهم إلى القطاع العام”[8]. كما أثبت تقرير لجنة التدقيق أن أكثر من 80٪ من 240مبلغ مليار من الـ قروض منحتها الترويكا في 2010 و2012 ذهبت مباشرة إلى سداد ديون حوالي 20 مصرفاً خاصاً. جزءٌ كبير من هذه الأموال لم يصل أبدًا إلى الأراضي اليونانية، بل حُوِّلَ ببساطة إلى حساب معين جرى إنشاؤه في البنك المركزي الأوروبي. للأسف، قررت الحكومة تجاهلَ نتائج تقرير لجنة التدقيق/ الافتحاص، واستسلمت ووقَّعت على صفقة كارثية مع دائنيها.

ترجمة: لجنة الاعلام الوطنية

أطاك المغرب

الرابط الاصلي للمقال

[1] – “11 سؤالاً / 11 إجابة عن أزمة الديون العالمية الجديدة وإمكانيات الحد منها بشكل جذري”.

[2] – “ما هي أنواع الدين العام الأربعة التي لا يمكن سدادها؟”.

[3] – ألكسندر ناحوم ساك (موسكو 1890 – نيويورك 1955)، يعتبر أحد آباء مذهب الدَّين الكريه، وهو فقيه روسي محافظ درس القانون خلال الفترة القيصرية ثم نُفي إلى باريس في عشرينيات القرن الماضي قبل الهجرة إلى الولايات المتحدة. كان ساك يؤيد استمرار التزامات الدول بعد تغيير النظام، لكنه أدرك أن بعض الدول قد تنصلت بنجاح من ديونها. وبالتالي يمكن تأويل عمله على أنه وسيلة لتحذير الدائنين من منح القروض التي من شأنها إضفاء الشرعية على التنصل من الديون بعد تغيير النظام في الدولة المدينة. اعتبر العديد من المعلقين على عمل ساك خطأً أنه من أجل وصف الدين بأنه كريه، يجب أن يكون من تعاقد عليه نظاما استبداديا. ليس هذا موقف ساك. في الواقع، يعتبر المحامي أن هناك العديد من الحالات التي يمكن فيها وصف الدين بأنه كريه. يمكن أن تُلغى ديون كرهة رغم أن حكومة ديمقراطية هي من اقترضها. ارتكبت الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية، حتى عام 2016، خطأ الاعتقاد بأن ساك اعتبر الطابع الاستبدادي للنظام شرطًا لا غنى عنه. جرى تصحيح هذا الخطأ في هذا المنشور: إريك توسان، “الدين البغيض عند الكسندر ساك وعند الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية”، نُشر في 18 نوفمبر 2016، https://www.cadtm.org/La-dette-odieuse-selon-Alexandre-Sack-et-selon-le-CADTM، انظر أيضًا كتاب إيريك توسان ، نظام الديون. تاريخ الديون السيادية والتخلي عنها، Éditions Les Liens qui Libéré ، باريس ، 2017. http://www.editionslesliensquiliberent.fr/livre-Le_syst%C3%A8me_dette-528-1-1-0-1.html.

[4] – ألكسندر ناحوم ساك ، “آثار تحولات الدولة على ديونها العامة والتزاماتها المالية الأخرى”، Recueil Sirey ، باريس ، 1927.

[5] – ساك، الكسندر ناحوم. 1927. ص. 158.

[6] – انظر تقرير مؤسسة الاقتصاد الجديد، “الإقراض الكريه: تخفيف الديون كما لو كانت أخلاقية”، ص 2: “النتيجة هي حلقة مفرغة من الديون حيث يتعين على الحكومات المتعاقبة الحصول على قروض جديدة لسداد الديون الكريه، و “غسل” القروض الأصلية بشكل فعال. يمكن أن يعطي هذا الإقراض الدفاعي عباءة شرعية للديون التي كانت في الأصل نتيجة للإقراض الكريه”. متوفر على: www.jubileeresearch.org/news/Odiouslendingfinal.pdf.

[7] – دافيد روزي، “القانون الدولي العام”، الطبعة 17، دالوز، 2004، ص 93.

[8] – “اليونان: التقييم اللاحق للولوج الاستثنائي بموجب ترتيب الاستعداد لعام 2010″، التقرير القُطْرِي رقم 13/156، صندوق النقد الدولي، 2013.