تشينسيا أروتسا ،تيتي باتاشاريا، نانسي فرايزر.
إننا ندرك أن لاشيء يستحق اسم “تحرير النساء” قابل للتحقق في ظل مجتمع عنصري وإمبريالي. كما نؤكد أيضا أن جذر المشكل قائم في الرأسمالية ، التي تلازمها العنصرية والإمبريالية. لم يكن هذا النظام الاجتماعي ، الذي يتباهى بتعزيز “العمل الحر” و” القائم على عقد” ، ليرى النور دون الاعتماد على النهب الاستعماري ، و “تحويل إفريقيا إلى نوع من مصايد تجارية لاقتناص الجلود السوداء [2]” ، و بالاستعباد في “العالم الجديد” وعلى نزع ملكية الشعوب الأهلية. وبعيدًا عن أي توقف بعد إقلاع الرأسمالية ، واصل مصادرة ملكية الشعوب ضحية العنصرية وغير الحرة أو التابعة في جعل استغلال “العمل الحر” ممكنًا. لقد اتخذ التمييز بين “العمال/ات” المستغلين/ات بحرية ، و”الآخرين” منزوعي الملكية والتابعين/ات ،أشكالًا مختلفة عبر تاريخ الرأسمالية – أثناء العبودية والاستعمار والفصل العنصري والتقسيم الدولي للعمل – وقد أدى أحيانًا إلى عدم وضوح. لكن طوال هذا التاريخ ، وحتى اليوم ،أتاح استغلال الأشخاص ضحايا العنصرية تنمية أرباح رأس المال بمصادرة الموارد الطبيعية وقوة عمل الرجال والنساء ، دون اكتراث بتجديدهما أو إعادة إنتاجهما. ولأسباب منظومية، خلقت الرأسمالية دائمًا طبقات بشرية ضحية العنصرية ، حيث الأشخاص و العمل مسترخصان و مخضعان لنزع الملكية. لا يمكن لنسوانية مناهضة حقيقة للعنصرية وللإمبريالية إلا أن تكون أيضا معادية للرأسمالية.
ويصدق هذا اليوم أكثر من أي وقت مضى، في وقت تزايدت فيه بشكل مهول عمليات نزع الملكية العنصري، وتزايدت حدتها بفعل الديون. هذه هي الطريقة التي تشجع بها الرأسمالية النيوليبرالية الاضطهاد العنصري في جميع أنحاء العالم. في الجنوب “ما بعد الاستعمار” ، يؤدي الاستيلاء على الأراضي من قبل مقاولات كبيرة تتغذى على الديون إلى ترحيل العديد من الشعوب الأهلية – وفي بعض الأحيان ، يدفعها إلى الانتحار. في الوقت نفسه ، فإن “إعادة هيكلة” الدين السيادي يفجر النسبة بين الفائدة والناتج المحلي الإجمالي ، ما يُلزم الدول التي يُفترض أنها مستقلة بتخفيض إنفاقها العام ويحكم على الأجيال القادمة من العمال بتكريس جزء متزايد من عملهم لسداد ما تفرض مؤسسات القرض الكبيرة. وهكذا تستمر عمليات نزع الملكية العنصري في تمفصل مع زيادة الاستغلال المتزايد بسبب ترحيل العديد من المصانع إلى بلدان الجنوب.
هذا الاضطهاد يتبع أيضا وتيرة محمومة في بلدان الشمال. ونظرًا لأن الوظائف منخفضة الأجر والهشة في القطاع الثالث تحل تدريجياً محل العمل النقابي في الصناعات، فإن الأجور تنخفض إلى أقل من الحد الأدنى الضروري لعيش حياة كريمة، خصوصا في مجالات حيث يمثل الأشخاص ضحايا العنصرية أغلبية. و بما أنهم يُجبرون على تولي وظائف متعددة واقتراض الأموال من دخلهم المستقبلي للعيش،غالبًا ما تعرض عليهم قروض رهنية عالية المخاطرة. كما أن الحماية الاجتماعية آخذة في التدهور: الخدمات التي كانت تقدمها الدولة في السابق أصبحت تتحملها العائلات والجماعات بشكل متزايد – وهي تعتمد بشكل أساسي على النساء من الأقليات والنساء المهاجرات.
وبالمثل ، فإن عائدات الضرائب المخصصة سابقًا للبنيات التحتية العامة أصبحت موجهة الآن لسداد الديون، مما يؤدي إلى عواقب كارثية بشكل خاص على المجموعات ضحية العنصرية – و المعرضة للميز المجالي و الحرمان من المساعدة العمومية الموجهة للمدارس والمستشفيات ،و للسكن وللنقل ، وللتزود بالهواء والمياه غير الملوثان. وفي جميع أنحاء العالم، تقوم الرأسمالية المالية بمصادرة ممتلكات السكان على أسس عرقية.
كما أن لهذا التنظيم الهرمي للعالم عواقب جندرية. اليوم ، يتم توظيف الملايين من النساء المهاجرات والسود كعاملات منازل ومكلفات بأنشطة الرعاية. ويتعرضن في الآن ذاته، غالبا بلا أوراق ثبوتية وبعيدا عن أسرهن، للاستغلال و لنزع الملكية – يجبرن على العمل في ظروف هشة ، ومحرومات من حقوقهن وضحايا جميع أنواع الانتهاكات.و يتيح اضطهادهن المصنوع ب “الأغلال العالمية للرعاية” للنساء ذوات الامتيازات العيش في ظروف جيدة، وتجنب جزء من العمل المنزلي وممارسة المهن القيمة. و باسم الدفاع عن حقوق النساء، يمكنهن دعم الحملات السياسية لسجن الرجال السود بتهمة الاغتصاب، واضطهاد المهاجرين والمسلمين، ومطالبة النساء السود والمسلمات بالتماثل مع الثقافة السائدة. يا لها من سخرية!
في الواقع، تساهم العنصرية والإمبريالية و الوطنية العرقية في انتشار كراهية النساء والسيطرة على أجساد كل النساء. ولأن صنوف هذا التمييز تصيبنا جميعًا، يجب علينا محاربتها بلا هوادة. لكن التصريحات المجردة بصدد “الأخوة النسائية” العالمية تأتي بنتائج عكسية: إذ أنها تشيع، انطلاقا من مبدأ وجود هذه الأخوة التي وجب بناؤها من خلال عملية سياسية،انطباعًا خاطئًا بوجود التجانس. والحقيقة هي أنه على الرغم من أننا نعاني جميعًا من الاضطهاد الذي يكره النساء في المجتمع الرأسمالي، فإن معاناتنا تتخذ أشكالًا مختلفة. لا تظهر الروابط بين أشكال الاضطهاد هذه على الفور دائمًا: إذ يجب الكشف عنها سياسيًا من خلال الجهود المنهجية لبناء التضامن. بهذه الطريقة فقط ، ومن خلال النضال ضمن تنوعنا ومن خلاله، يمكننا معًا الحصول على القوة التي نحتاجها لنأمل تغيير المجتمع.
ترجمة: حسن جدال
أطاك المغرب
الرابط الأصلي للمقال: اضغط هنا
[1] نسوانية لأجل الــ 99%, بيان، تشينسيا أروتسا تيتي باتاشاريا ، نانسي فرايزر,
2019 باريس , La Découverte.
[2] كارل ماركس، الرأسمال، المجلد الأول ، القسم الثامن ، الفصل 31.