البلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط

الجدول رقم 1: البلدان منخفضة الدخل (2) ومتوسطة الدخل (11) بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط حسب معطيات وتصنيف البنك العالمي (سنة 2021)

نقبل أن نسميها بالبلدان النامية بمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط، وأن نستخدم البيانات الإحصائية للبنك العالمي فيما يخص الديون مع إدراكنا لمحدوديتها[1].

البلدان الثمانية ذات الدخل المرتفع (أكثر من 13205 دولارات للفرد في السنة) وهي السعودية والبحرين وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والكويت ومالطا وعُمان وقطر، لن نتطرق لها في هذه الورقة.

جميع المعطيات الموضحة في الرسوم البيانية أدناه مأخوذة من موقع البنك العالمي، علما أن تلك المتعلقة بالديون لا تشمل العراق وليبيا وفلسطين. يشير كبير الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالبنك العالمي نفسه إلى أن أنظمة البيانات الوطنية تتميز “بعدم توفر البيانات ومحدوديتها”. “بيانات الناتج المحلي الاجمالي للبلدان التي تشهد حروبا مثل ليبيا واليمن متقادمة، والمتاح فيها يعود الى 2014 و2017 على التوالي. فقط عشر بلدان من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا البالغ عددها 19 التي تغطيها مجموعة البنك العالمي لديها معلومات شهرية أو ربع سنوية حول الإنتاج الصناعي، ولا تنشر هذه المعلومات بالنسبة إلى التسعة الآخرين التي لا تنشر أيضا أي بيانات شهرية حول البطالة[2] “.

السياق الاجتماعي والاقتصادي

الوصفات النيو ليبرالية والاستبداد كوابح أمام تنمية المنطقة

شهدت المنطقة موجة من الانتفاضات الشعبية منذ 2010-2011، وتشير المعطيات الى كونها المنطقة الأكثر تفاوتًا اجتماعيًا في العالم: بلغت حصة دخل العشر الأعلى 64٪، مقارنة بـ 37٪ في أوروبا الغربية، و47٪ في الولايات المتحدة، و55٪ في البرازيل. وبلغت حصة دخل المائة الأعلى حوالي 30٪ مقارنة بـ 12٪ في أوروبا الغربية، و20٪ في الولايات المتحدة، و28٪ في البرازيل، و18٪ في جنوب إفريقيا، و14٪ في الصين، و21٪ في الهند[3].

تتسم المنطقة باتساع الفقر المدقع للسكان، على الرغم من غناها بالموارد الطبيعية. وتشهد موجة الانتفاضات التي طالت جميع بلدانها على تنمية معاقة طويلة الأمد بسبب عوامل محددة ومشتركة. ساهمت أزمة الرأسمالية العالمية 2007-2008 في تفاقم العوامل البنيوية الخاصة بتخلف المنطقة، وأدت الوصفات النيوليبرالية إلى تسريع الانفجار الاجتماعي. ومع ذلك، يبقى تطبيق هذه الوصفات محددا بالطبيعة الاجتماعية والسياسية للأنظمة السياسية التي تتسم بالمحسوبية والاستبداد[4].

حاول البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، إخفاء مسؤولية سياساتهما النيوليبرالية وإلقاء اللوم على “سوء حكامة” الأنظمة التي كانت تدعمها. ونسقت هاتان المؤسستان جهودهما مع الحكومات الجديدة والأنظمة الاستبدادية القائمة والقوى الإمبريالية لضرب مصداقية الثورات الشعبية وضمان استمرار سيطرة الشركات متعددة الجنسيات على ثروات المنطقة. وتابعت نفس الوصفات المطبقة من قبل: تشجيع الاستثمار الخاص لصالح رأس المال الكبير، وتوسيع ما يسمى باتفاقيات التبادل الحر، وتعميم مرونة الشغل، واللجوء إلى المديونية. وبالتالي، تضاعف إجمالي الدين الخارجي للمنطقة خلال 10 سنوات، حيث ارتفع من 17٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي في عام 2010 إلى33,5 ٪ سنة 2019.  وصاحب هذا الدين الخارجي المتزايد مجموعة من الإصلاحات التقشفية التي أدت إلى تفاقم تدهور المستوى المعيشي لغالبية السكان واندلاع الموجة الثانية من الانتفاضات الشعبية منذ أكتوبر 2019 في بلدان لم تشهد حجم الموجة الأولى، أساسا لبنان والجزائر والعراق وكذلك السودان[5].

جائحة كوفيد: مزيد من التقشف والقمع

أدت أزمة فيروس كورونا إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ثارت عليها شعوب المنطقة على مدى السنوات العشر الماضية. انخفضت مداخيل الميزانية العمومية بشكل حاد. لم تجد الحكومات والأنظمة القائمة، ومعها المؤسسات المالية الدولية، أي خيار سوى الاقتراض لحل الأزمة المالية. ارتفع رصيد الدين الخارجي إلى أكثر من 38٪ من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي سنة 2020. وتتحمل الطبقة العاملة والقطاعات الفقيرة من السكان عبء الأزمة الاقتصادية والصحية من خلال انخفاض دخلها وزيادة بطالة الشباب والنساء. ولا تزال أنواع جديدة من كوفيد-19 ممكنة الاستخدام من قبل الأنظمة لتشديد ضرب الحريات العامة.

 غزو ​​أوكرانيا: صدمة سلبية أخرى كبيرة الحجم

ستؤثر تداعيات الحرب على أوكرانيا بشكل أكبر على اقتصادات البلدان ذات الدخل المتوسط ​​والمنخفض وسكانها، وبشكل خاص على سكان البلدان التي تشهد حالة حرب مثل سوريا والعراق وفلسطين المحتلة واليمن وليبيا. سوف تتأثر بشكل كبير هذه البلدان، التي تعد من بين أكبر مستوردي المواد الغذائية في العالم، والتي تواجه بالفعل ارتفاعًا في معدلات التضخم نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية (خاصة القمح والحبوب والبذور الزيتية)، ولكن أيضًا أسعار النفط والغاز. سيؤدي ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية إلى زيادة معاناة وإفقار صغار الفلاحين الذين يشكلون غالبية المزارعين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. سيؤدي التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي إلى انخفاض في مداخيل العملة الصعبة: السياحة والتحويلات المالية والاستثمار الأجنبي المباشر، إلخ. سيحتد عجز الميزان التجاري وعجز ميزان الأداءات.

ومرة أخرى، ليس لدى البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والأنظمة السياسية التي تطبق وصفاتها، من حل لأزمة البلدان متوسطة ومنخفضة الدخل التي دخلت بالفعل موجة جديدة من الديون[6] مع فيروس كوفيد-19، سوى المزيد من المديونية وتسريع الإصلاحات الهيكلية الليبرالية المصاحبة لها.

موجة ديون فاقمتها الجائحة

الرسم البياني رقم 1: الدين الخارجي العمومي وصافي التحويل

تتجلى موجة المديونية الجديدة بوضوح منذ سنة 2012:

– تضاعف رصيد الدين الخارجي العمومي (اللون البرتقالي) منتقلا من130,36  مليار دولار أمريكي إلى267,84  مليار دولار سنة 2020. وارتفع إجمالي الدين العمومي إلى 123٪ من الناتج المحلي الإجمالي في البحرين، و 96٪ في المغرب، وأكثر من  80 ٪ في مصر والأردن وتونس. وبالنسبة للبنان، فقد بلغ الدين العمومي 100 مليار دولار سنة 2021 لناتج محلي إجمالي قدره 22 مليار دولار!

– صافي التحويل على الدين الخارجي العمومي (اللون الأزرق) إيجابي بشكل واضح، حيث ارتفع من 6 إلى  18,5 مليار سنة 2020 ، وهو عام الديون المرتبطة بكوفيد. أما الانخفاض النسبي الذي نلاحظه في سنة 2014 فله علاقة بانخفاض أسعار النفط العالمية والإنتاج الجيد للحبوب، مما قلل من واردات الطاقة والمواد الغذائية.

تعريف صافي التحويل على الدين: هو الفرق بين المبالغ المحصل عليها عن طريق الاقتراضات الجديدة ومجموع ما تم تسديده من رأسمال وفوائد في السنة. ويكون إيجابيا حين تزيد كمية القروض التي يتلقاها البلد المعني على ما يسدده، ويكون سلبيا إذا فاقت المبالغ المسددة المبالغ التي يتلقاها البلد المعني على شكل قروض.

هذه الموجة من الديون التي شجعتها “قروض التنمية الجديدة” للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي ازدادت حدتها بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية، وأيضا خلال فترة الجائحة.

الرسم البياني رقم 2: الدين الخارجي العمومي حسب نوع الدائنين

انخفضت حصة الدين الثنائي من إجمالي الدين الخارجي العمومي من 31,39 % إلى  %23,10بينما ارتفعت حصة الدين الخاص من  30,32 % الى 37,77 %.

أما حصة الدين متعدد الأطراف فقد ارتفعت بالأرقام المطلقة من 41,27 الى 71,52 مليار دولار.

الجدول رقم 2: الدين الخارجي العمومي حسب نوع الدائنين

 

رغم كونه دائن متعددة الأطراف، إلا أن دين صندوق النقد الدولي لا يظهر تحت هذا الاسم في قواعد بيانات البنك العالمي. تضاعف الدين المستحق لصندوق النقد الدولي بأربع مرات في الفترة ما بين 2012 و2020، حيث ارتفع من 8,65 الى 33,31 مليار دولار.

ارتفع الدين المستحق للبنك العالمي، ويتضمن المبالغ المستحقة للبنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية، من 13,89 مليار دولار سنة 2012 إلى 29,84 مليار دولار أمريكي في عام 2020.

تسريع الإجراءات الليبرالية لصالح القطاع الخاص

في سنة 2020، مثلت المؤسستان أول دائنين متعددي الأطراف للبلدان النامية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 46,57 % لصندوق النقد الدولي و 41,72 % للبنك العالمي. ويتزايد ضغطهما على دول المنطقة لتسريع الإصلاحات الهيكلية النيوليبرالية التي جرى تلخيصها من قبل مسؤولي البنك العالمي على النحو التالي[7]:

  1. تحسين مناخ الأعمال بإلغاء الأنظمة التي تعيق مبادرات القطاع الخاص.
  2. تعزيز المنافسة بإنهاء احتكارات السوق لتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.
  3. الانفتاح على التجارة لتعزيز المنافسة والاستفادة من نقل التكنولوجيا وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
  4. زيادة إنتاجية العاملين في القطاع غير الرسمي ودمجهم في القطاع الرسمي.
  5. مراجعة أنظمة الدعم وخاصة في مجال الطاقة.

هذه التدابير الحافزة لخلق ظروف مواتية للشركات متعددة الجنسيات ورأس المال المحلي الكبير ستمولها الميزانيات العمومية التي تعاني أصلا من العجز الذي سيؤدي الى ابرام قروض جديدة مما سيزيد من عبء الديون.

تسارع الإصلاحات النيوليبرالية

تونس

منذ 2011-2012، تزايدت ديون تونس، وزادت ضغوطات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي لتطبيق شروط اتفاقيات القروض الممنوحة للبلد في 2013 (1,5 مليار دولار) و2016 (2,9 مليار دولار) و2020 (0,745 مليار دولار). تجاوز دينها الخارجي نسبة 100٪ من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020. وتمر حاليا تونس بأزمة اقتصادية ومالية وسياسية عميقة. وتجري المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن اتفاق جديد في إطار تسهيل الصندوق الممدد. قدمت الحكومة التونسية مؤخرًا (يونيو 2022) برنامجًا للإصلاحات الاقتصادية[8] أشاد به صندوق النقد الدولي[9]. بالإضافة إلى الحوافز التي أوصى بها الصندوق لتنشيط الاستثمارات الخاصة، على سبيل المثال عن طريق تقليل العبء الضريبي على المقاولات الكبيرة، يتضمن هذا البرنامج إصلاح نظام دعم المواد الأساسية، ونظام دعم مواد الطاقة، ونظام الوظيفة العمومية. بالنسبة للأجراء/ات والطبقات الشعبية، يعني هذا زيادة عامة في أسعار المواد الغذائية الأساسية ومواد الطاقة والخدمات الضرورية (الصحة، والتعليم، والنقل، وما إلى ذلك)، وتخفيض الأجور. أعلنت رئيسة الحكومة بوضوح شديد أن “مراجعات الرواتب (في الوظيفة العمومية) ستتم في حدود توازنات المالية العمومية واستدامة الدين[10]“. رفضت المركزية النقابية الاتحاد العام التونسي للشغل هذه الإصلاحات. ودعت إلى إضراب وطني في القطاع العام أصاب البلاد بالشلل في 16 يونيو 2022. ودعت إلى إضراب عام آخر في القطاع العام والوظيفة العمومية لم يتم تحديد موعده بعد.

المغرب

استفاد المغرب بموجب خط الوقاية والسيولة من 5 اتفاقات قروض بلغت 6,2 مليار دولار سنة 2012، و5 مليارات دولار سنة 2014، و 3,47 مليار دولار سنة 2016، و 2,7 مليار دولار عام 2018، و 3 مليارات دولار عام 2020. ويتفاوض حاليًا بشأن خط جديد مع صندوق النقد الدولي. خط الوقاية والسيولة يشهد على هشاشة اقتصاد البلاد واحتداد تبعيتها، ويتطلب الحصول عليه تسريع وتيرة الإصلاحات الليبرالية في مجالات الاستثمار والضرائب والقطاع المالي ومرونة سعر الصرف والتعليم ومرونة الشغل[11].

تجربة المغرب في رفع الدعم عن مواد الطاقة

ألغت الدولة دعم مواد الطاقة اعتبارًا من 1 فبراير 2014 للبنزين وزيت الوقود، و1 يناير 2015 للديزل، وشرعت في التحرير الكامل لأسعار المحروقات الثلاثة في بداية دجنبر 2015.

وبذلك ارتفع سعر بيع لتر الديزل مع احتساب جميع الضرائب والرسوم من 7,98 درهم في 1 دجنبر 2015 إلى 9,65 درهم في 1 ديسمبر 2017. وارتفع هامش ربح شركات النفط من 1,1 درهم للتر إلى 1,95 درهم للتر[12]. وارتفع هذا السعر إلى حوالي 15 درهمًا في يوليو 2022. وتُتهم الشركات بتكديس أرباح تجاوزت 45 مليار درهم (ما يقرب من 4,5 مليار دولار أمريكي) منذ تحرير أسعار مواد الطاقة حتى نهاية عام 2021. وهذا ما شكل أحد مصادر الثروة المالية لعزيز أخنوش (رئيس الحكومة الحالي في المغرب)، والتي تقدر بنحو 2 مليار دولار سنة 2022 حسب فوربس Forbes، مما يضعه في المركز الثالث عشر في قائمة 15 المليارديرات الأفارقة. كان أخنوش موضوع حملة مقاطعة كبيرة لمنتجاته من قبل المواطنين/ات سنة 2018. وهناك حملة كثيفة حاليا على شبكات التواصل الاجتماعي للاحتجاج عليه وضد ارتفاع أسعار الوقود.

فاتورة هذه الأرباح يدفعها المستهلكون/ات، إما بشكل مباشر في محطات الوقود أو بشكل غير مباشر من خلال الزيادات العامة في الأسعار في سياق تداعيات كوفيد والحرب على أوكرانيا. إن تدهور القدرة الشرائية للأسر الشعبية تفاقمت بشكل حاد جدا.

مصر

لجأت مصر الى صندوق النقد الدولي ثلاث مرات في السنوات الأخيرة، حيث اقترضت منه 12 مليار دولار سنة 2016، و2,8 مليار دولار سنة 2020 و 5,2 مليار دولار سنة 2020. أدت الإجراءات التي رافقت هذه القروض إلى زيادة الفقر (30 مليون مصري يعيشون تحت عتبة الفقر بالمعيار الوطني) وعدم المساواة الاجتماعية وانخفاض إنفاق الأسر الشعبية. يجري النظام الحاكم حاليًا مناقشات مع الصندوق بشأن قرض رابع (حوالي 5 مليارات دولار) من خلال آلية الائتمان الممتد (كما هو الحال بالنسبة لتونس) مشروط بنفس الإصلاحات الهيكلية الليبرالية المملاة على تونس.

خدمة الديون تمتص الميزانيات الاجتماعية

الرسم البياني رقم 3: خدمة الدين

ارتفعت خدمة الدين الخارجي العمومي بشكل مستمر، لا سيما خلال فترة الجائحة. يتم تخفيض الميزانيات الاجتماعية الضئيلة أصلا بشكل متزايد لضمان سداد الديون. أبانت الجائحة عن الخصاص الهائل في خدمات الصحة العمومية. وتتجاوز خدمة الدين بكثير ميزانية الصحة العمومية في المغرب (9 مرات) ومصر (7 مرات) وتونس (4 مرات). في سنة 2019، خصصت مصر 6٪ من إيراداتها الحكومية للإنفاق على الصحة، بينما تمتص خدمة الدين الخارجي ما يقرب من 20٪. ونفس الأمر بالنسبة لتونس: 14٪ للصحة مقابل 26٪ لخدمة الدين[13].

شروط الدين أكثر فأكثر اجحافا

أدت المديونية المقلقة للغاية منذ عقد من الزمان وشروطها النيوليبرالية التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والحكومات القائمة إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلدان النامية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ستؤدي الحرب المطولة على أوكرانيا إلى احتداد ارتفاع أسعار مواد الغذاء والطاقة، وخصاص التزود بالقمح، وضعف النمو الاقتصادي. وستكون القروض الجديدة ضرورية، وهناك العديد من البلدان تجري بالفعل مفاوضات مع صندوق النقد الدولي مثل تونس ومصر والمغرب. أصبحت شروط التمويل العالمية أكثر صرامة مع “ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة إلى جانب عدم الاستقرار في الأسواق المالية العالمية. وقد يكون لذلك عواقب وخيمة على تدفقات الرساميل ومردودية السندات ويزيد من صعوبات الديون”[14]. في الواقع، سيكون للزيادة في سعر الفائدة، لا سيما في الولايات المتحدة حيث ارتفع من 0,25 % سنة 2021 إلى 2,5 % سنة 2022، خطرا كبيرا على البلدان النامية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نظرًا لتضخم ديونها الخارجية العمومية ومعظمها (80٪) تصرف بالدولار الأمريكي. وانخفضت فعلا قيمة عملاتها مقابل الدولار الأمريكي، كما هو موضح في الجدول التالي لبعض البلدان:

الجدول رقم 3: انخفاض قيمة العملات المحلية مقارنة مع الدولار الأمريكي

المصدر: https://fxtop.com/fr/tendances-forex.php

يساهم هذا الانخفاض في قيمة العملات المحلية مقارنة بالدولار أيضًا في زيادة أقساط المخاطر على الديون السيادية. وتؤثر وكالات التصنيف الائتمانية التي تتلاعب بالتصنيفات السيادية على قرارات الإقراض وشروط الديون السيادية وأسعار الفائدة[15].

اضطرت أربع بلدان في المنطقة بالفعل الى وقف سداد ديونها في فبراير 2021: العراق ولبنان وسوريا واليمن[16]. ويوحي الوضع الحالي في تونس أيضا بالسير على طريق التخلف عن السداد.

آفاق قاتمة للغاية بالنسبة لسكان البلدان النامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

سيكون للسياق الاقتصادي الموصوف أعلاه تداعيات خطيرة على قطاعات كبيرة من السكان في البلدان النامية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تعاني بشدة من آثار أزمة الرأسمالية العالمية متعددة الأبعاد، والتي تفاقمت بسبب السياق الجديد للحرب على أوكرانيا: أزمة ديون، أزمة صحية، أزمة غذائية، أزمة طاقة، حروب وأزمة اللاجئين، أزمة الهجرة، أزمة مناخية (جفاف، حرائق، فيضانات …) …

اُستنزفت قدرات الفئات الشعبية على التحمل بفعل سياسات التقشف وأعباء الديون في العقد الماضي، وبسبب الجائحة وارتفاع أسعار المواد والخدمات الأساسية. وهي محكوم عليها بمزيد من المعاناة حيث سيحتد انخفاض الدخل، ويكبر الفقر، وتتوسع البطالة لا سيما في صفوف الشباب والنساء، وتتدهور القدرة الشرائية، وتزداد الهشاشة وعدم استقرار شروط الحياة. يواصل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي والأنظمة السياسية القائمة وصفاتهم النيوليبرالية التي تبررها نظرية الانسياب الخاطئة التي لها تأثير ملموس على زيادة صافية في اللامساواة الاجتماعية. “زادت ثروات 21 مليارديراً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنحو 10 مليارات دولار منذ بداية أزمة كوفيد -19 ، أي ما يقرب من ضعف المبلغ المقدر الضروري لإعادة بناء عاصمة لبنان ، بينما يتعرض 45 مليون شخص في المنطقة للفقر بسبب الجائحة”[17].

الخلاص الوحيد الممكن: الغاء الديون

أثارت أزمة كوفيد نقاشًا حول مسألة الديون. كانت جميع مبادرات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومجموعة العشرين (الصندوق الاستئماني للإغاثة من الكوارث والاستجابة لها، ومبادرة تعليق خدمة الديون، والإطار المشترك لمعالجة الديون، وزيادة حقوق السحب الخاصة، وما إلى ذلك) غير فعالة في التعامل مع أزمة ديون بلدان الجنوب العالمي. تبين أنها كانت بالأحرى محاولات لتجنب التشكيك في بنية نظام الديون واستبعاد مطلب إلغاء الديون. تستثني جميع الحلول التي اقترحوها الدائنين الخواص، في حين أن حصة متزايدة من الدين العمومي لبلدان الجنوب العالمي تتكون حاليا من السندات التجارية المتداولة في أسواق الرساميل الدولية (حوالي 38٪ للبلدان النامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على النحو المذكور أعلاه). تتفاقم مخاطر أزمة ديون حقيقية مرتبطة بكوفيد كان تم تأجيل سداد أقساطها في سياق الحرب على أوكرانيا. فدفعات الأقساط المؤجلة وصل أجلها في وقت حرج جدا.

تخشى المؤسستان قبل كل شيء “الاضطرابات الاجتماعية” المرتبطة باحتمال حدوث أزمة ديون. ولكن هنا أيضًا، ليس لتوصياتهما بشأن الحكامة الرشيدة وكفاءة مؤسسات الدولة أي تأثير حقيقي. فالاستبداد السياسي هو الذي يسود في جميع بلدان المنطقة مع قمع شديد لجميع أشكال الاحتجاج والتعبئة النضالية، وضرب الحريات العامة، واستفزاز الأصوات المعارضة وسجنها. وليست المؤسستان أنفسهما سوى” أدوات استبدادية في أيدي الأوليغارشية الدولية (حفنة من القوى العظمى وشركاتها عابرة الأوطان) التي تعزز النظام الرأسمالي الدولي المدمر للإنسانية والبيئة”. “منذ إنشائهما سنة 1944، قام البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بدعم جميع الديكتاتوريات وجميع الأنظمة الفاسدة في معسكر حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية”[18]. ورأينا أنها كانت مكونا من مكونات الثورة المضادة في سيرورة الانتفاضات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال مساهمتها في خنق تطلعات الشعوب إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

ولم يكن للإعلانات المنافقة القليلة لبعض المسؤولين (الاتحاد الأفريقي، رئيس وزراء باكستان، رئيس السنغال، إلخ) بخصوص الغاء الديون أي تأثير يذكر.

أما الخبيرة المستقلة للأمم المتحدة المعنية بآثار الديون الخارجية على حقوق الإنسان، فقد أوصت في تقرير نُشر في 4 غشت/أغسطس 2021، بإلغاء الديون لتخفيف العبء الملازم لها. لكنها ظلت محصورة في أوهام إصلاح المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف، داعية إلى إنشاء آلية للديون تحت رعاية الأمم المتحدة.

لم يبق لدى الشعوب أي حل آخر للخروج من الهاوية التي توجد فيها سوى وضع حد للإجراءات الضارة التي يمليها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي وإلغاء الديون التي يطالبون بسدادها.

لا يقتصر الدين فقط على مبالغ القروض التي يتعين سدادها. إنه نظام استعباد واضطهاد للشعوب ونهب عام للثروات من قبل أقلية.

إن المطالبة بإلغاء الديون تعني في الأساس استعادة الشعب لسيادته وتقرير مصيره. يستند هذا المطلب على اعتبار هذه الديون غير شرعية وغير قانونية وكريهة وغير قابلة التحمل.

على صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كانت هناك حملات لإلغاء الديون الكريهة في مصر وتونس في 2011-2012. في الحركة الاحتجاجية التي انطلقت في أكتوبر 2019 في لبنان، طالبت مجموعات من المناضلين/ات الشباب بوقف سداد الديون. أطلق ممثلو العديد من الحركات الاجتماعية في المنطقة نداء في يونيو 2020 يطالبون فيه بإلغاء الدين العمومي[19].

إن شروط اندلاع موجة جديدة من الانتفاضات الشعبية في المنطقة تتراكم بالفعل. وستتمفصل النضالات الاجتماعية بشكل وثيق جدا مع النضالات السياسية.

18 غشت 2022

بقلم: أزيكي عمر

أطاك المغرب

[1] –  https://www.cadtm.org/Sud-Nord-Pays-en-developpement-pays-developpes-De-quoi-parle-t-on

[2]  – النشرة الإخبارية الاقتصادية لمنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط. أبريل 2022. https://reliefweb.int/report/yemen/bulletin-d-information-conomique-pour-la-r-gion-mena-avril-2022-confrontation-avec-la-r

[3] – إيريك توسان: البنك العالمي: تاريخ نقدي. 2021. ترجمة أطاك المغرب. الفصل 26.

[4] – جلبير الأشقر: الشعب يريد. 2013. الفصل الثاني.

[5] – أزيكي عمر: الحراكات الشعبية هي الخلاص من هاوية المديونية. 2020. https://bit.ly/3wcJBOS

[6] – أزيكي عمر، إيريك توسان، ميلان رفيي: موجة ديون جدية في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط. أبريل 2021.

https://www.cadtm.org/Afrique-du-Nord-et-Moyen-Orient-nouvelle-vague-d-endettement

[7] – البنك العالمي: إعادة بناء المنطقة لن يكون مكلفا. يناير 2022. https://blogs.worldbank.org/fr/arabvoices/mena-region-building-back-does-not-need-cost-much

[8]http://www.pm.gov.tn/pm/upload/fck/File/Programme2022fr.pdf

[9] –  البلاغ الصحفي على اثر نهاية زيارة فريق صندوق النقد الدولي التي قاموا بها في تونس من 4 إلى 18 يوليو 2022.

[10] – تصريحها يوم 7 ماي 2022. http://www.pm.gov.tn/pm/upload/fck/File/Programme2022fr.pdf . صفحة 48.

[11] – بيان أطاك المغرب حول الخط الرابع للوقاية والسيولة الذي منحه صندوق النقد الدولي للمغرب. 26 دجنبر 2018. https://bit.ly/3QQcbgx

[12] – مذكرة أطاك المغرب: دعم مقاطعة المواطنين للمنتجات الاستهلاكية التي تسوقها مجموعات رأسمالية كبيرة. 21 يونيو 2018. https://bit.ly/3Ass8Ey

[13]https://jubileedebt.org.uk/wp-content/uploads/2020/04/Debt-payments-and-health-spending_13.04.20.pdf

[14] – صندوق النقد الدولي: آفاق الاقتصاد الإقليمي: الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. أبريل 2022. https://www.imf.org/-/media/Files/Publications/REO/MCD-CCA/2022/April/French/text.ashx

[15] – يوفين لي، الخبيرة المستقلة في الديون الخارجية وحقوق الإنسان. “تخفيف عبء الديون ومنع أزمات الديون وحقوق الإنسان: دور وكالات التصنيف الائتماني”. https://www.ohchr.org/sites/default/files/Documents/Issues/IEDebt/CreditRatingAgencies/Summary_CRA_FR.pdf

[16] – موجة ديون جدية في منطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط. مصدر سابق.

[17] – أوكسفام. من أجل عقد من الأمل وليس من التقشف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. غشت/ أغسطس 2020. https://eur01.safelinks.protection.outlook.com/?url=https%3A%2F%2Foxfam.box.com%2Fs%2Fq5jr2nwuy6ztbevravyyqo48tkphs9uy&data=02%7C01%7CRoslyn.Boatman%40oxfam.org%7Ce407fe7b71144b873f0c08d84902c45f%7Cc42c6655bda0417590bab6e48cacd561%7C0%7C0%7C637339623555270805&sdata=FmiA%2B1lJjlot8v7%2Bp9LAoynf8hw8xO9eyqwS60ot1OY%3D&reserved=0

[18] – إ يريك توسان: البنك العالمي تاريخ نقدي. الفصل 30.

[19]https://callofpeoples.wordpress.com/2020/05/27/example-post-3/