في الولايات المتحدة، حيث يبلغ متوسط الدين الفيدرالي ل 43 مليون طالب 37667 دولارًا، أعلن جو بايدن إلغاء جزء من هذا العبء. إذا لم تكن إجراءاته كافية، وبدت وكأنها ضمادة أكثر من كونها حلاً دائمًا، فإنها تذكرنا بأن إلغاء ديون دولة ما هو إلا مسألة إرادة سياسية.

لعقود من الزمن، وقع الطلاب الأمريكيون في ديون طلابية خطيرة. في كثير من الأحيان، ومنذ عام 1958، تقوم الحكومة الفيدرالية، من خلال وزارة التعليم الفيدرالية، بإصدار هذه الديون. تم إصدار ثلاثة أرباع رصيد قروض الطلاب من قبل الدولة. منذ الثمانينيات ووصول رونالد ريغان إلى السلطة، انفجر عدد القروض الطلابية الموزعة ومبالغها مع ارتفاع تكلفة التعليم العالي. في الواقع، بالقيمة الحقيقية، تضاعفت تكلفة الدورة الجامعية ثلاث مرات منذ عام 1980. بين عامي 2000 و 2010، في المتوسط، ارتفعت الرسوم الدراسية من 8800 دولار إلى 14400 دولار. نظرًا لأن نسبة كبيرة من الطلاب لا يستطيعون تمويل دراساتهم من غير اللجوء الى الديون، فقد اخذت ديونهم نفس الاتجاه في التحليق. على سبيل المثال، تضاعف ثلاث مرات بين عامي 2006 و 2022. إنه يتجاوز المبلغ الهائل البالغ 1700 مليار دولار، وهو ضعف إجمالي الدين العام للقارة الأفريقية بأكملها، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من مليار نسمة. من ناحية أخرى، عززت الأزمة المالية لعام 2007-2008 الاتجاه الملحوظ منذ عام 1980، مما أدى بشكل ملحوظ إلى ارتفاع حاد في رسوم التسجيل في شبكة الجامعات الحكومية.

لهذا النظام عواقب مدمرة: دين قدره 37667 دولارًا في المتوسط ​​لـ 43 مليون شخص مدينون بعد دراستهم، و 12٪ من الطلاب السابقين تخلفوا عن السداد وأكثر من نصف الطلاب يعملون. وبالتالي، فإن هؤلاء الاخيرين في موقف ضعيف مقارنة بالطلاب الأثرياء الذين لا يحتاجون إلى العمل. والأسوأ من ذلك، أن جزءًا كبيرًا من هؤلاء الأشخاص يسددون تكاليف الدراسات التي لم تمنحهم دبلومات. في الواقع، 20٪ فقط من الطلاب الأمريكيين الذين تابعوا تعليما في جامعات خاصة هم من توجوا بدبلومات.

وهكذا، ينفق العديد من الأمريكيين جزءًا كبيرًا من دخلهم على سداد الديون، مما يحد من قدرتهم على تنفيذ مشاريعهم. إنهم يقبلون الوظائف ذات الأجر المنخفض في مواجهة إلحاح المواعيد النهائية للسداد. يقدم ديفيد فلاشر، الأستاذ في جامعة كومبيين للتكنولوجيا في فرنسا، صورة للتأثير الاجتماعي المرتبطًا بديون الطلاب الأمريكيين: “الطلاب المدينون يتوجهون إلى مهن أكثر ربحية، والتي غالبًا ما تكون أقل فائدة اجتماعيًا”.

ما سبب ارتفاع تكلفة التعليم العالي في الولايات المتحدة؟

يفسر الارتفاع المهول لتكلفة التعليم العالي في الولايات المتحدة بعدة أسباب. الأول ذو طبيعة تاريخية: ينبع النظام الأمريكي من المدارس الدينية والجامعات البحثية التي أسسها في القرن التاسع عشر أوصياء أثرياء. هذه المؤسسات، مثل هارفارد، فرضت أسعارًا باهظة للغاية. ولايزال الحال نفسه مستمرا اليوم. ومع ذلك، تعمل هذه الجامعات كبوصلة للآخرين لتحديد رسومهم. وبالتالي، يتماشى عدد كبير من المؤسسات مع أسعار جامعات مثل هارفارد، حيث تبلغ تكلفة العام في المتوسط ​​36 ألف دولار. حتى لو لم تكن كافية، فإن الإعانات الحكومية ما زالت تجعل من الممكن، حتى الثمانينيات، الحد من التكلفة المرتفعة بالفعل للتعليم العالي. مع صعود رونالد ريغان إلى السلطة والسياسات التي اتبعها خلفاؤه، الذين نظموا انسحاب الدولة بسبب سياسات التقشف، فقدت الجامعات الأمريكية تلك الإعانات. لذلك رفعوا الأسعار. في عام 1990، شارك الطلاب في المتوسط ​​بنسبة 25٪ من تمويل التعليم العالي العام. اليوم، يتحمل الطلاب 60٪ من ميزانية هذه المؤسسات في المتوسط، وتمول الدولة 40٪ فقط.

تزامن هذا الانسحاب المنظم للتمويل الحكومي من الجامعات مع زيادة الطلب على التعليم العالي في الولايات المتحدة. موارد أقل لعدد أكبر من الناس: تكلف الطلاب بالتمويل عن طريق الاقتراض وانتشرت المؤسسات الخاصة. دخل هذا العدد الهائل من المؤسسات في منافسة شرسة لحيازة أفضل سمعة ممكنة. وهكذا، تم بناء جامعات فاخرة بشكل متزايد، وتم دفع رواتب مغرية لجذب أساتذة مرموقين. وبالتالي، ارتفعت الرسوم الدراسية بشكل كبير جدًا في حين تم تخصيص أموال أقل بثلاث مرات للتعليم في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع العام. أضف، وبسبب قلة المقاعد في الجامعات العمومية، يلجأ الطلاب الى الجامعات الخاصة و التي تكلف أكثر، مما يؤدي الى الاقتراض. نتيجة النطام: تحصيل جيد لجمهور أقل، و ديبلومات أقل.

لا يعوض نظام المنح الدراسية الغير كاف إلى حد كبير عن عدم المساواة المفصل أعلاه. في الواقع، لا تتجاوز المنحة المخصصة للفئات الأكثر ضعفًا – بيل جراند – 6895 دولارًا سنويًا. لا تكفي لدفع الرسوم الدراسية التي غالبًا ما تتجاوز 15000 دولار في السنة، و تغطية نفقات المعيشة اللازمة على مدار العام. ونتيجة لذلك، فإن نسبة كبيرة جدًا من الطلاب تلجأ الى الديون، خاصة مع الدولة، ولكن أيضًا مع البنوك التجارية، التي تفرض معدلات فائدة جد مرتفعة. في مواجهة ملايين الطلاب والطلاب السابقين المثقلين بالديون، والعدد المتزايد من الأشخاص غير القادرين على السداد، تعبأت الحركات الاجتماعية منذ سنوات بشكل مكثف في الولايات المتحدة.

في مواجهة هذا الوضع، تعبأت الحركات الاجتماعية بقوة

لقد نبه مستوى مديونية الطلاب الأمريكيين العديد من الأشخاص والنقابات والجمعيات الذين تعبؤوا. كان هذا حال Debt Collective، وهي نقابة تدافع عن الأشخاص المدينين. ناضل أعضاؤها لتمديد الوقف الاختياري لتسديد قروض الطلاب، والذي كان ساريًا منذ بداية جائحة Covid-19. كما نظمت مجموعة Debt Collective حملة بعنوان “لنلغي ديون الطلاب”، موفرة عملا أساسيا للتسييس وزيادة الوعي وشرح الآليات الكامنة وراء ديون الطلاب. يوضح أسترا تايلور، المؤسس المشارك للنقابة، على سبيل المثال أن كل دولار من ديون الطلاب يضخم أرباح الدائنين الذين يكسبون المال بالمال، دون تقديم أدنى جهد. في الواقع، الفائدة التي يدفعها العمال عندما يسددون ديونهم الطلابية تثري الممولين، و غالبًا هم أغنياء البلد، الذين أقرضوا رأس المال فقط. وبالتالي، فإن كل دولار من ديون الطلاب يتوافق مع تحويل الأموال من العمل إلى رأس المال، أو من الفقراء، أو من الطبقة الوسطى إلى الأغنياء. وهكذا، من خلال تفصيل هذه الآليات، يوضح Astra Taylor أن ديون الطلاب تعمق عدم المساواة.

بالإضافة إلى ذلك، لم تفشل جمعية الديون في التذكير بأن جو بايدن، عندما كان عضوًا في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير، ساهم بشكل كبير في إضعاف حماية المقترضين من خلال جعل الإفلاس أكثر صعوبة. ولذلك ساهم في تعزيز قوة الدائنين، والحد من مخاطر عدم السداد، وخاصة تجاه الطلاب.

ساهم العمل الضخم لهؤلاء النشطاء بشكل كبير في وضع جو بايدن تحت الضغط، مما دفعه للوفاء بأحد وعود حملته: إلغاء جزء من ديون الطلاب.

تحت ضغط الحركات الاجتماعية، أعلن جو بايدن إلغاء جزء من ديون الطلاب

في نهاية أغسطس 2022 – وقبل أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي – أعلن جو بايدن إلغاء جزء من ديون الطلاب التي كانت تحتفظ بها الدولة. كان قادرًا على القيام بذلك دون المرور بالكونجرس، وذلك بفضل قانون التعليم العالي، الذي تم تبنيه في عام 1965. سيصل هذا التنازل إلى 10000 دولار للأشخاص الذين يقل دخلهم عن 125000 دولار في السنة. و يمكن أن يصل إلى 20000 دولار لأفقر الناس الذين استفادوا من من منحة Pell Grant. يتعلق الأخير بثلث الطلاب الأمريكيين. وفقًا للبيت الأبيض، ستؤثر هذه الإجراءات على ما يقرب من 20 مليون شخص.

من ناحية أخرى، سيتم تمديد تجميد سداد ديون الطلاب ودفعات الفائدة، الذي تم تحديده في عام 2020 ابان أزمة Covid-19، حتى 31 ديسمبر 2022. عندما سيتم استئناف السداد، ستقتصر هذه على 5 ٪ من الدخل التقديري – ما يتبقى بعد دفع ثمن الضروريات الأساسية مثل الطعام والإيجار – للأشخاص المدينين. هذا يعني أن فردًا أعزبا يكسب 38000 دولارًا أمريكيًا سنويًا لن يدفع أكثر من 31 دولارًا أمريكيًا شهريًا مقابل ديونه كطالب. حتى الآن، تم تسقيف هذه التعويضات عند نسبة 10٪ من الدخل التقديري.

وبالتالي، ستوفر هذه الإجراءات إغاثة مالية لعدة ملايين من الأمريكيين.

تدابير ذات أثر لكنها لا تستهدف الأشخاص الأكثر حرمانًا من نظام التعليم وعدم المساواة في الحصول على العمل: النساء والأشخاص الذين يعانون من العنصرية

الإجراءات التي أعلنها جو بايدن ستفيد بشكل أساسي أفراد الطبقة الوسطى الأمريكية. في الواقع، يكسب معظم الأشخاص الذين ستتم مساعدتهم ما بين 51000 و 82000 دولار سنويًا. ومع ذلك، سوف يساهمون – حتى لو أظهرنا أنه غير كافٍ للغاية – في الحد من عدم المساواة العرقية والنوع/ الجنسانية في الولايات المتحدة.

ستساهم لأن ذوي الأصول الأسبانية والسود هم أكثر تأثراً بمشاكل ديون الطلاب. إنهم يعانون من سلسلة من التمييز في سوق العمل وفي تعليمهم. وبالتالي، فإنهم يكسبون أموالًا أقل من البيض، وقدرة أقل على مساعدة أطفالهم عندما يدرسون. تتأكد هذه الخلاصات من خلال الأرقام: في عام 2019، تملك ​​الأسرة البيضاء في المتوسط 188.200 دولار مقارنة بـ 24.100 دولار للأسر السوداء. لذلك، فإن الأشخاص المعانون من العنصرية لديهم حاجة أكبر للجوء الى الديون خلال دراستهم. بمجرد وصولهم إلى سوق العمل، يواجهون، مثل آبائهم، عدم المساواة والتمييز: أجور أقل وايجاد وظيفة بسهولة أقل. منطقيا، يصعب عليهم سداد الديون المتراكمة أثناء دراستهم. عندما يكونون بالغين، سيجدون صعوبة أكبر في مساعدة أطفالهم. لذلك، يتعرض الأشخاص الملونون لدائرة مفرغة من الديون أخطر بكثير من البيض. في عام 2019، بعد 20 عامًا من بدء دراستهم، يشكل السود 95% من الطلاب المدينين. سدد اقرانهم من البيض 94٪ من تلك القروض.

ويمكن إبداء ملاحظة مماثلة بالنسبة للنساء اللائي يتعرضن أيضًا للتمييز المباشر وغير المباشر في الحصول على العمل (من خلال العمل المنزلي غير المأجور الذي يؤدونه). في الواقع، لديهن وقت أقل، وصعوبات أكثر في العثور على عمل وكسب نقود أقل مقارنة بالرجال مقابل نفس العمل. وبالتالي، فإنهن أيضًا يستغرقن وقتًا أطول لسداد قرض الطالب أكثر من الرجال، خاصة وأنهن مدينات أكثر من الرجال خلال دراستهن. لهذا السبب، تحملت النساء في عام 2019 نحو ثلثي ديون الطلاب الأمريكيين.

أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أنه بالنسبة للأشخاص الذين يجدون أنفسهم في تقاطع كل هذه الأشكال من التمييز – النساء السود، على سبيل المثال – يتشابك القهر وعدم المساواة، و يؤثر عليهن أكثر مما لو كن “فقط” نساء أو من المعرضين للعنصرية.

وبالتالي، كون الأشخاص ذوو الأصول الإسبانية، السود والنساء الاكثر فقرا، الاكثر عددا و اضطرارا إلى سداد ديون الطلاب، الأكثر استفادة من منحة Pell Grant، فإنهم سيستفيدون أكثر، من حيث النسب، من إلغاء جزء من دين الطالب من طرف جو بايدن. تُظهر ديون الطلاب تفاقم وتضاعف عدم المساواة الاجتماعية والعرقية. من خلال فضحها، فإننا نشارك بالتالي في الحد منها. ومع ذلك، فإن هذا الإصلاح غير كافٍ لأنه لا يستهدف بشكل مباشر الأشخاص الأكثر تضررًا من عدم المساواة في الحصول على التعليم والعمل. لا يستهدف أول ضحايا الديون الطلابية ولا يلمس الأسباب الهيكلية لانفجار ديون الطلاب.

مقياس غير كاف إلى حد كبير، ضمادة لا تلمس المشاكل الهيكلية

يبدو أن هذا الإجراء ضمادة ضرورية ولكنه لن يغير أي شيء على المدى المتوسط ​​والطويل. لا تأثير له على الأسباب الهيكلية التي تجعل من الحصول على عمل وتمويل الدراسات أكثر صعوبة على الأشخاص الذين يعانون من العنصرية وعلى النساء. من ناحية أخرى، لن يفيد أفقر الأمريكيين لأنهم لن يذهبوا إلى الكلية. بالنسبة لهؤلاء الأشخاص وأول ضحايا ديون الطلاب، يجب أن يكون هناك إصلاح منهجي للتعليم العالي الأمريكي. إصلاح من شأنه زيادة المعروض من الجامعات الحكومية بشكل كبير؛ و يقلل بشكل كبير من الرسوم الدراسية فيها، مع زيادة المنح الدراسية لأكثر الفئات هشاشة؛ التي من شأنها أن تسمح لأقصى عدد من الأفراد، بلا مساواة عرقية أو بين الجنسين، للوصول إلى التعليم العالي.

يجب أن يقترن هذا الإصلاح بإصلاح سوق الشغل،  موفرا حماية للأشخاص الذين يعانون من العنصرية وللنساء بقدر الإمكان من التمييز الذي عانوا منه منذ قرون. يسير في هذا الاتجاه، الحملة التي قادتها Debt Collective ومقترحات بيرني ساندرز، المقدمة خلال الحملة الانتخابية الرئاسية الأخيرة. طالب بالإلغاء الكامل لديون الطلاب، والتعليم المجاني في الجامعات الحكومية، وتخصيص المنح الدراسية لتمويل الكتب والنقل والإسكان. يريد بيرني ساندرز أيضًا تقييد الفائدة المرتبطة بالقروض الجديدة التي يتم الحصول عليها للدراسة. يريد تمويل هذه الإجراءات بضريبة على المعاملات المالية.

إن إلغاء الدين أمر ممكن تمامًا، إنها مسألة إرادة سياسية

يعد إجراء جو بايدن بمثابة تذكير بأنه من الممكن تمامًا إلغاء دين مملوك للدولة. كانت الإرادة السياسية للرئيس الأمريكي كافية لاتخاذ إجراء سيكلف، حسب الكونجرس الأمريكي، 400 مليار دولار. من المهم أن نذكر أنها ستعود بالنفع على الدولة، حيث سينفق الآباء والعمال الشباب أموالهم في أماكن أخرى. وبالتالي ستشارك هذه الاموال في زيادة الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي النشاط، وبالتالي الضرائب التي تحصلها الدولة. لذلك فإن إرادة رئيس الدولة ستكون كافية لإلغاء الديون الثنائية غير المشروعة. وهذا يعني، على سبيل المثال، أن الإرادة السياسية لرئيس الدولة الفرنسي كافية لإلغاء الديون الكريهة الناجمة عن استقلال هايتي. دين بلغت قيمته 28 مليار دولار، تم التعاقد عليه عام 1925، بعد أكثر من عشرين عامًا على الاستقلال، لتعويض مالكي العبيد الفرنسيين السابقين. وبنفس الطريقة، يمكن لدول مجموعة العشرين أن تقرر إلغاء ديونها تجاه 77 من البلدان التي يُطلق عليها أفقر البلدان. سيكلفهم 750 مليار دولار، أو 1 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان العشرين مجتمعة، أي أقل من خطة المساعدة الألمانية أو الأمريكية لما بعد تفشي فيروس كورونا …

ترجمة أطاك المغرب

الرابط الاصلي للمقال