عموما، حتى بروز كوفيد-19، قدم مقدسو النمو القرن 21 على أنه قرن الأمل لأفريقيا، أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في هذه الحالة، لأن نمو متوسط معدل الناتج الداخلي الخام كان أعلى من المتوسط العالمي، حوالي 5٪ مقابل 3٪، في معظم العقدين الأولين. ووفقا لبعض التعليقات المتفائلة للغاية الواردة في مؤشر البزوغ الأفريقي لعام 2017، فإن موريس وجنوب أفريقيا والسيشيل وبوتسوانا والرأس الأخضر ورواندا وغانا وناميبيا وساو تومي وبرينسيبي كانت قد بزغت بالفعل عام 2017. والبعض الآخر (أوغندا والسنغال وزامبيا وتنزانيا وكينيا وغابون وبنين وملاوي وليسوتو) كانت آنذاك عند “عتبة” البزوغ، المطابقة للبلدان “ما قبل البازغة” وفقا لصندوق النقد الدولي، على سبيل المثال. لقد أخفى هذا التفاؤل الأفريقي، وهذا الاحتفال المستمر بنمو الناتج الداخلي الخام القوي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نسبيا جرس الإنذار الذي دُقّ على نمو مستمر آخر، نمو الديون العمومية.

لم يشجع النمو القوي وعودة الاستدانة التنويع الاقتصادي للبلدان المعتمد أساسا الكثير منها على تصدير الموارد الطبيعية/المواد الأولية، وعلى الاستخراجية. ما يمثل إسهاما واضحا في الأزمة الإيكولوجية التي تطال شعوب المنطقة بشدة.

تبقى المديونية موضوعا راهنا ساخنا بالموازاة مع أزمة الديون التي ضربت دول جنوب عديدة منذ عام 2015، والوزن المتزايد باستمرار للدائنين “الجدد” (الصين والدائنين الخواص) والحرب في أوكرانيا التي تضرب بشدة حاليا دول الجنوب التي يطالها ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

ويزداد الأمر سوءا إذ شهدت المديونية تسارعا كبيرا في أعقاب الآثار الجانبية لوباء كوفيد-19. كانت هذه الآثار محسوسة بصورة خاصة في البلدان الأفريقية لأنها كانت، حتى قبل كوفيد-19، تواجه بالفعل مشاكل هيكلية عدة. قدرت منظمة أوكسفام المهددين بالوقوع في براثن الفقر بنصف مليار شخص، ما يؤدي إلى زيادة اللامساواة الاجتماعية والاقتصادية واللامساواة بين الجنسين. ومن المحتم أن تواجه نساء أكثر مما لدى الرجال الفقر المدقع.

تتناول هذه الدراسة تأثير وباء كوفيد-19 على ديون البلدان الأفريقية، وتقترح دراستي حالة توضيحيتين وبدائل يمكن اتخاذها.

من أجل ذلك، يعرض الجزء الأول السياق العام لحالة الديون في إفريقيا بعد وباء كوفيد-19. لفهم معالمه بشكل أفضل، يعرض هذا القسم على وجه الخصوص تطور الديون الخارجية العمومية لأفريقيا، وعواقب الوباء الاقتصادية والاجتماعية، والجهات الفاعلة الثنائية والمتعددة الأطراف والخاصة، الرئيسية، المسؤولة عن هذا الوضع، والحلول الخاطئة التي اقترحتها، وكذلك الكيفية التي تستفيد بها من حالة الديون هذه.

ويعرض الجزء الثاني تطور خصائص ديون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولا سيما مصر والمغرب وتونس، بالإضافة إلى عواقب بناء سد كهرومائي، سد إنچا  3 الكبير، على ديون جمهورية الكونغو الديمقراطية، في سياق ما بعد كوفيد. وتسلط دراسات الحالة هذه الضوء على أنه في حين أن الأوضاع والأرقام خاصة بسياقات محلية معينة، فإنه في كل مرة يتكرر نفس منطق استعباد الأكثر فقرا من قبل الأكثر غنى.

ويقدم الجزء الثالث والأخير وجهة نظر خاصة تتناول العلاقات بين أفريقيا والاتحاد الأوروبي وتذكر بأن المعاهدات المنبثقة عنها تستند بصورة بارزة إلى موازين القوى الاستعمارية والاستعمارية الجديدة الواجب رفضها.

بعد التركيز على إدارة الديون المشكوك فيها في بعض الدول الأفريقية من قبل المؤسسات المالية الدولية أثناء فترة كوفيد-19، سنختم بتحديد البدائل الرئيسية الممكنة للخروج من دوامة الديون هذه والتحرر من الحلول الزائفة التي اقترحها الدائنون. لأن هذه البدائل، ومن الضروري التذكير بذلك في خاتمة هذه الدراسة، تستند إلى حجج قوية مسنودة بالقانون الدولي بشأن الحقوق الإنسانية الأساسية الإلزامية حتما على حساب حقوق الدائنين.

 رابط تحميل الدراسة : هنا