على غرار الأقطار العربية الأخرى، لم تكن الانتفاضة التونسية (2010-2011) حدثا مفاجأ، فالفقر والبطالة والتهميش كنتائج طبيعية للسياسات النيوليبرالية، خلقت الظروف الموضوعية للثورة. لذلك لم تكن الانتفاضة مجرد تعبير عن موجة متصاعدة من السخط ضد الاستبداد، بل كانت أيضًا تعبيرًا عن التحولات الاجتماعية والسياسية المرتبطة بالخيارات الاجتماعية والاقتصادية المنفذة منذ السبعينيات، أي ردة فعل على الفشل الملحوظ للسياسات النيوليبرالية.[1]
من ديسمبر 2010 إلى جانفي 2011، أظهر ملايين التونسيين قدرة كبيرة على الاحتجاج والتعبئة. ولئن تمكنت الانتفاضة من فرض نوع من “الديمقراطية الإجرائية” الا انها لم تكن قادرة على القطع مع الخيارات الاقتصادية والاجتماعية السائدة. في الواقع، لا يمكن للوعي السياسي ان يتشكل في غضون أسابيع قليلة أو بضعة أشهر ذلك ان تجربة الجماهير في خضم الصراع الطبقي هي التي تشكل وعيهم. يضاف إلى ذلك ضعف القوى التقدمية والثورية التي لم تكن قادرة على تأطير الانتفاضة وطرح مشروع سياسي بديل. في هذا السياق، تمكنت البرجوازية الكومبرادورية المحلية، بدعم من القوى الإمبريالية وحلفائها في المنطقة، من الالتفاف على الانتفاضة وتحويل وجهتها.
بالنسبة للتحالف الطبقي الحاكم، وكذلك المؤسسات المالية الدولية والقوى الإمبريالية، كان من المهم منع أي قطيعة جذرية مع السياسات النيو ليبرالية السائدة. بعد دعمها نظام بن علي حتى اللحظة الأخيرة، تغير السلوك السياسي للقوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وأعربت عن “دعمها للمطالب الديمقراطية”، مؤكدة باستمرار على الحاجة إلى “انتقال منظم” يضمن “الاستقرار” اي “انتقالا ناعما” لضمان نظام جديد قادر على الحفاظ على المصالح الإمبريالية. وقد شكل سلاح الديون والمساعدات المالية العنصر الأساسي لهذه الاستراتيجية في إطار ما سمي “شراكة دوفيل”.
معطيات حول التداين.
حسب معطيات البنك المركزي التونسي، بلغ قائم الدين العمومي 132,5 مليار دينار في موفي سنة 2022 أي ما يمثل 93 % من الناتج المحلي الخام، وبذلك تكون المديونية العمومية قد ارتفعت بأكثر من 400 % مقارنة بما كانت عليه سنة 2010 (25,5 مليار دينار أي ما يعادل 40 % من الناتج المحلي الخام). وقد سجل نسق الارتفاع تطورًا كبيرًا بداية من سنة 2014 حيث كانت المديونية في حدود 41 مليار دينار أي ما يمثل 48 % من الناتج المحلي الخام. الا أن الوجه الأخطر في طبيعة الدين العمومي التونسي يكمن خاصة في هيكلته حيث لا يمثل الدين الداخلي إلا حوالي 27 % بينما يشكل الدين الخارجي ما يقارب 73 % من مجموع الدين العمومي وهو ما يجعل التوازنات المالية الخارجية عرضة لتداعيات انهيار قيمة العملة المحلية وابتزاز الدائنين الخارجيين في حالة عجز الدولة عن سداد خدمة الدين في آجالها المحددة.
من حيث المصدر، تتوزع الديون الخارجية بين 48 % ديون متعددة الأطراف، 36 % ديون على السوق المالية و16 % ديون ثنائية. حسب العملة، يمثل اليورو 48 % من مجموع الديون الخارجية بينما يمثل الدولار الأمريكي 28% واليان الياباني 11% وباقي العملات الأخرى 13%. هذه الهيكلة تبين مدى ارتهان الدولة بالمؤسسات المالية العالمية من ناحية والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى.
شراكة دوفيل وإعادة انتاج الخيار الليبرالي.
في شهر ماي 2011، اجتمعت المؤسسات المالية الدولية والحكومات تحت رعاية “شراكة دوفيل” في قمة مجموعة الثمانية في فرنسا وأطلقت مبادرة لتقديم المساعدة المالية لما أطلقوا عليه “البلدان العربية التي تمر بمرحلة انتقالية”. تكونت “شراكة دوفيل” من دول مجموعة الثمانية ودول الخليج وتركيا بالإضافة إلى مختلف المؤسسات المالية الدولية وتعهدت بتقديم مساعدات تصل إلى 40 مليار دولار أمريكي لمصر والأردن، والمغرب، وتونس، واليمن. لم تكن هذه المساعدة خالية من الشروط اذ يجب على البلدان المتلقية أن “تخلق بيئة مواتية للقطاع الخاص” من خلال “مراجعة دور القطاع العام” و ” تعزيز التكامل التجاري” و “تحسين مناخ الأعمال” من أجل “جذب الاستثمار الأجنبي “عبر “تخفيف قوانين سوق الشغل وجعلها أكثر مرونة”[2]
شكلت “شراكة دوفيل” الإطار السياسي لبرنامج “اصلاح هيكلي جديد” الذي املته القوى الأجنبية وتبنته الحكومة التونسية المؤقتة. وفقًا لهذا المخطط، “يجب على الدولة الانسحاب تدريجيًا من جميع الأنشطة التي يمكن أن يتكفل بها القطاع الخاص” والتركيز بدلاً من ذلك على خلق “مناخ اقتصادي وتجاري يفضي إلى إنشاء مؤسسة حرة”. تؤكد نفس الخطة على أن مثل هذا “المناخ” يتطلب خصخصة البنوك العمومية، ورفع القيود المفروضة على حرية حركة رأس المال لصالح المستثمرين الأجانب وخلق “حوافز حقيقية للمبادرة الخاصة”. في هذا السياق، حث البنك الدولي الحكومة التونسية على “تعزيز المنافسة وتحسين مناخ الأعمال” و “تحرير حساب رأس المال” و “مقاومة الضغوط من أجل زيادة الأجور” وتحرير سوق العمل والشروع في الخصخصة والشراكة الخاصة “.[3]
بعد انتخابات أكتوبر 2011، في تواصل مع المنطق النيو ليبرالي بدأت حكومة “الترويكا”مفاوضات للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. في ماي 2012، انضمت نفس الحكومة إلى “إعلان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن الاستثمار الدولي والشركات متعددة الجنسيات” والتزمت بإصلاح قانون الاستثمار لإزالة العقبات التي تعترض حرية حركة رأس المال الأجنبي. تظهر هذه الاستمرارية مع المنطق النيوليبرالي أيضًا في قانون المالية لعام 2013 الذي يعكس منطق التقشف والتخفيض في الإنفاق الاجتماعي. في جوان 2013، وبدعم من الولايات المتحدة وفرنسا، قدم صندوق النقد الدولي اتفاقًا احتياطيًا لمدة عامين (SBA) بقيمة 1.74 مليار دولار. تضمن الاتفاق نفس الشروط المعتادة مثل إعادة هيكلة منظومة الدعم، وإصلاح السياسة الضريبية، تقليص تدخل الدولة، تعزيز القطاع الخاص، فضلاً عن مرونة سوق العمل.
في أعقاب انتخابات 2014، واصل الائتلاف الحاكم، نداء تونس – النهضة، في نفس السياسات النيوليبرالية. للحصول على اتفاقية قرض أخرى من صندوق النقد الدولي، أقر التحالف “إصلاحات جديدة”، مثل اعتماد قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص في نوفمبر 2015 وخاصة “القانون الأساسي للبنك المركزي” الذي تمت المصادقة عليه في افريل 2016 والذي أسس لاستقلالية البنك المركزي كركيزة كلاسيكية للاقتصاد النيوليبرالي.[4] تحت ذريعة مكافحة التضخم، حصرت مهمة البنك المركزي في إثراء رأس المال المالي والكومبرادور المصرفي المرتبط به عن طريق الزيادة المتكررة في سعر الفائدة والتخفيض قيمة الدينار.
كانت الموافقة على هذه القوانين شرطًا أساسيًا للتفاوض بشأن التمويل، وصادق صندوق النقد الدولي على اتفاقية تسهيل تمويل موسعة بقيمة 2.9 مليار دولار في ماي 2016. بالإضافة إلى تدابير التقشف، كان هذا القرض مصحوبًا بشروط إضافية، على وجه الخصوص، “تحسين مناخ الأعمال “، و” ترشيد الحوافز الضريبية “، وتبسيط الإجراءات للحد من حواجز الدخول وحماية حقوق المستثمرين والتخفيض في قيمة العملة المحلية. تماشيًا مع متطلبات قرض صندوق النقد الدولي، جرى اعتماد قانون استثمار جديد في سبتمبر 2016 بينما تضمنت قوانين المالية لعامي 2018 و2019 تقشفًا شديدًا. على وجه التحديد، جمدت هذه القوانين الاجور والانتدابات في القطاع العام، ورفعت أسعار المنتجات الأساسية، وزادت في نسب الأداء على القيمة المضافة.
على الرغم من إرادة الحكومات المتعاقبة والضغط الذي مارسته المؤسسات المالية الدولية، فإن إعادة انتاج المشروع النيوليبرالي بقيت محدودة ولم تتمكن هذه الحكومات من استكمال كل “الإصلاحات” على غرار التحرير الكامل لحساب رأس المال والخصخصة وإلغاء دعم المواد الغذائية. يعود هذا الوضع جزئيًا، إلى تصاعد وتيرة الاحتجاجات تعبيرا عن المقاومة الشعبية للسياسات النيوليبرالية خاصة في النصف الأول من سنة 2021.[5] ركزت هذه الاحتجاجات على مطالب مختلفة تتراوح بين التشغيل، التعليم والصحة، إلغاء الديون الخارجية، تعليق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومعارضة جميع أشكال نهب الموارد من قبل الشركات متعددة الجنسيات. أجبرت هذه الاحتجاجات الحكومات على تأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات النيوليبرالية.
في ظل غياب الرؤية السياسية وضعف القوى التقدمية والثورية، اغتنم الرئيس قيس سعيد الفرصة ليعلن عن “إجراءاته الاستثنائية” في 25 جويلية 2021، والتي تضمنت حل الحكومة والبرلمان وصياغة دستور جديد. لم تكن هذه “الإجراءات الاستثنائية” استجابة لمطالب الجماهير الشعبية، بل كانت استجابة لتفاقم التناقضات الداخلية للتحالف الطبقي الحاكم في اتجاه استعادة الدور المركزي للبيروقراطية في إدارة هذه التناقضات وضمان الحد الأدنى من التماسك بين مختلف شرائح الكومبرادور كشرط ضروري لمتابعة الإصلاحات النيوليبرالية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية. لذلك واصلت قوانين المالية لسنتي 2022 و2023 في نفس سياسة التقشف وتنفيذ املاءات صندوق النقد خاصة فيما يتعلق بتجميد الأجور والتخفيض في نفقات الدعم والمراجعة الدورية لأسعار المحروقات والترفيع في الاداءات غير المباشرة. من ناحية أخرى انطلقت المفاوضات مع صندوق النقد من أجل الحصول على قرض جديدة كما عبرت الحكومة عن استعدادها للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول “اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق” وهو ما جرى تضمينه (تحت مسمى الشراكة الشاملة) في الاتفاق الخير بين رئاسة الجمهورية والوفد الأوروبي في 11 جوان 2023.
فخ المديونية وإعادة انتاج الهيمنة الاستعمارية
في سنة 2019 خصصت تونس 93 % من الديون الجديدة لتسديد خدمة الديون القديمة. منذ أشهر، انطلقت المفاوضات مع صندوق النقد من اجل قرض بقيمة 1،9 مليار دولار تمنح على أربع سنوات أي 475 مليون دولار سنويا. في نفس الوقت يستوجب على تونس تسديد أقساط قرض تجاه صندوق النقد بقيمة 412 مليون دولار سنويا للأربع سنوات القادمة. أي ان هذه القروض التي تقدم كونها “مساعدات مالية” ليست في الواقع الا آلية لإعادة انتاج الهيمنة الاستعمارية ذلك ان كل قرض، بما يصاحبه من املاءات، يخلق ضرورة الشروط الموضوعية لتداين جديد.
منذ سنة 2011 تلقت تونس العديد من القروض الخارجية التي اعادت انتاج نفس الشروط والاملاءات لما قبل الثورة. تمثلت هذه الشروط خصوصا في مزيد تحرير المبدلات التجارية عبر التخفيض في الرسوم الديوانية، التخفيض في نسب الأداء على أرباح الشركات، التوسيع في دائرة المنح المرصودة لرأس المال تحت غطاء تشجيع الاستثمار والتخفيض في قيمة العملة المحلية. كل هذه الإجراءات أدت الى تراجع الموارد الذاتية للدولة وعمق الحاجة الى التداين الخارجي خاصة وان قانون استقلالية البنك المركزي يمنع هذا الأخير من اقراض الدولة. من ناحية أخرى، أدى التخفيض في الرسوم الديوانية الى ارتفاع مشط للعجز التجاري نتيجة التوريد المكثف والفوضوي خاصة منذ سنة 2012.أمام تراجع مداخيل النشاط السياحي وتحويلات التونسيين المقيمين بالخارج أصبح اللجوء المتزايد الى التداين الخارجي ضروريا. أخيرا، أدى التدهور المتواصل لقيمة الدينار الى ارتفاع خدمة الدين. على سبيل المثال كلف فارق العملة الدولة التونسية مبلغ 21،8 مليار دينار دين إضافي سنة 2019، اي أن من مجموع الدين العمومي الذي بلغ 83 مليار دينار هناك 26،3 % منه سببه المباشر انهيار قيمة الدينار. كل هذه العوامل المرتبطة بالشروط المصاحبة للديون الخارجية لم تؤد الا الى إعادة انتاج الحاجة المتزايدة الى التداين الخارجي الى الحد الذي أصبحت فيه الدولة تتداين من أجل تسديد الديون القديمة.
من يتحمل كلفة المديونية
خلال الفترة 2011-2022 بلغت خدمة الدين 91،7 مليار دينار وبذلك تكون الدولة قد خصصت ما يقارب 27% من نفقاتها لتسديد ديونها. وقد مثلت خدمة الدين لنفس الفترة 30 % من مجمل الموارد الذاتية للدولة. إلا أن الموارد الذاتية للدولة متكونة بأكثر من 80% من موارد جبائية وهذا يعني أن دافعي الضرائب هم من يتحمل الجزء الأكبر من كلفة تسديد الديون، ولكن تبقى المسالة في حاجة إلى أكثر تفصيلا وهو ما يقتضي قراءة لتطور هيكلة الموارد الجبائية.
عرفت الموارد الذاتية للدولة تراجعا نسبيا ملحوظا نتيجة لتراجع الضرائب الموظفة على أرباح الشركات والمعاليم الديوانية. لهذا كان لزاما على الدولة تعويض هذه الخسائر ولو جزيئا حتى لا يتخطى تداينها الحدود المسموح بها من طرف المؤسسات العالمية وأيضا حتى تضمن تسديد ديونها المتراكمة لتحافظ على مصداقيتها لدى نفس المؤسسات هذا طبعا دون المساس بمصالح المؤسسات الخاصة أو التضييق على توريد السلع الأجنبية. تمثل الحل الأول في زيادة الضغط الجبائي على الموظفين والأجراء ولهذا ارتفعت مساهمة الأجراء والموظفين في مجموع الاداءات المباشرة من 34 % سنة 2010 إلى 48 % سنة 2022. اما الحل الثاني فتمثل في اللجوء إلى الاداءات غير المباشرة كالأداء على الاستهلاك وخاصة الأداء على القيمة المضافة الذي ارتفعت نسبته في مجمل الاداءات الغير مباشرة من 34 % إلى حوالي 50 % بين 2010 و2022. هذا النوع من الأداء وان كان لا يمس مباشرة الدخل أو الأجر فهو ينعكس في شكل ارتفاع في أسعار السلع والخدمات وهو ما يعني المقدرة الشرائية للشرائح المتوسطة والضعيفة خاصة. أي أن الأجراء والموظفين وعموم الفئات المهمشة والمفقرة هي من يتحمل الجزء الأكبر من كلفة الديون وأعباء تسديدها.
من ناحية أخرى، أدى تدهور قيمة الدينار إلى ارتفاع الأسعار بالدينار لكل السلع المستوردة وهي سلع معدة للاستهلاك المباشر أو لإنتاج سلع أخرى. وفي جميع الحالات فالنتيجة هي ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك في السوق المحلية وتسارع وتيرة التضخم. هذا التضخم إلى جانب الضغط المستمر على الأجور ساهم في تدهور المقدرة الشرائية للأجراء والموظفين وتوسيع دائرة التفقير و التهميش.
أخيرا، أمام تفاقم المديونية وارتفاع خدمة الدين تزايد عبء تسديد الديون على ميزانية الدولة. أمام هذا الوضع لم تجد الدولة من خيار سوى الضغط على نفقاتها وأساسا النفقات ذات الطابع الاقتصادي و الاجتماعي. أي أن المديونية أدت إضعاف قدرة الدولة على التدخل وهو ما ساهم إلى حد كبير في ركود الاقتصاد وتفشي البطال واستفحال التفاوت الجهوي وحرمان شرائح اجتماعية واسعة من حقها في التمتع بالخدمات الاجتماعية الضرورية واللائقة.
بعض الملاحظات الختامية
من خلال ما تقدم يتبين بوضوح مدى خطورة التداين الخارجي كآلية للهيمنة لا تخدم إلا مصالح دوائر الرأسمال العالمي ووكلائه المحليين. في حين أن الشرائح المفقرة والمهمشة هي من يتحمل الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لتداين قد يتفاقم أكثر ويزيد الوضع تعقيدا. أمام خطورة هذا الوضع، طالبت بعض الاحزاب السياسية والمنظمات والخبراء بضرورة إلغاء الديون السابقة أو على الأقل تعليق تسديدها لفترة زمنية محددة في انتظار عملية تدقيق شامل لهذه الديون. ويأتي هذا المطلب في سياق حركة عالمية متنامية منذ سنوات لإسقاط كل ديون “العالم الثالث”.
إلا أن مسالة إسقاط الديون تبقى في نهاية الأمر مسألة سياسية أي مسألة موازين قوى طبقية ذلك أن الطبقات الحاكمة والأحزاب الممثلة لها لا يمكن أن تسقط الديون و ضرورة، الخيارات المرتبطة بها التي تشكل إحدى شروط تواجدها واستمرارها في الحكم. من ناحية أخرى، لا يمكن لإسقاط أو تعليق تسديد الديون أن يكون حلا لإشكالية التداين الخارجي ما لم نتجاوز الشروط الموضوعية التي أنتجته. وهو ما يقتضي القطع مع الخيارات الليبرالية وسياسة الارتهان لدوائر الرأسمال العالمي أي بديلا تنمويا مغايرا تكون ركائزه الأساسية السيادة الوطنية وحيوية دور الدولة والعدالة الاجتماعية.
مصطفى الجويلي/ تونس
[1] Jouili. M (2023). Imperialism and Neoliberal Redeployment in Post-uprising Tunisia. Middle East Critique (32)2 : 195-215
[2] IMF (2011) Economic Transformation in MENA: Delivering on the Promise of Shared Prosperity, G-8 Summit May 27, Deauville, France, https://www.imf.org/external/np/g8/pdf/052711.pdf
[3] Hanieh. A (2015) Shifting Priorities or Business as Usual? Continuity and Change in the post-2011 IMF and World Bank Engagement with Tunisia, Morocco and Egypt, British Journal of Middle Eastern Studies 42(1), pp. 119–134;
[4] Powers. C (2019) Cartelization, Neoliberalism, and the Foreclosure of the Jasmine Revolution: Democracy’s Troubles in Tunisia, Middle East Law and Governance 11(1), pp. 1–37.
[5] Observatoire Social Tunisien (2021) Rapport juin 2021 des mouvements sociaux (Tunis: Forum Tunisien Pour Les Droits Economiques Et Sociaux), http://ftdes.net/rapports/fr.juin2012.pdf