منذ سنوات الثمانينيات، استُخدِمت الديون العمومية في المغرب- التي تزايدت في أواسط الستينيات وانتهت بأزمة الديون عام 1982، كما حدث في دول العالم الثالث، لفرض سياسات التقشُّف باسم التعديل الهيكلي الذي يعني تقليصًا للنفقات العمومية والاجتماعية على وجه الخصوص، وانتهاج سياسة تقشُّفية.
ومنذ أزمة الديون، وعلى غِرار ما جرى في مختلف دول العالم المَدِينة، شكَّل تسديد الديون العمومية أولوية سياسية وصار آلية ضخمة لسلب جزء من الثروات التي ينتجها العمال/ات وصغار المنتجين/ات.
من فرض التعديل الهيكلي إلى تبني وِفاق واشنطن: أهلًا بالعولمة النيوليبرالية
كان التعديل الهيكلي هو الاسم الحركي للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي كان قوامها الأساس يندرج في:
- تغيير بِنيَة النظام الضريبي لتتحمل الفئات الفقيرة العبء الأكبر، مقابل إعفاء كُبرى رؤوس الأموال والشركات.
- خصخصة كل المؤسسات العمومية.
- إلغاء دعم مواد الاستهلاك الأساسية، وتحرير الأسعار، ونزع التقنين عن النشاط التجاري.
- تقليص الإنفاق على القطاعات الاجتماعية، بخاصة التعليم والصحة.
- انتهاج سياسات فلاحية (وصناعية) قائمة على أولوية التصدير.
- تغيير النظام المالي والميزانية: استقلالية البنك المركزي (الذي يمنع تدخله في سعر الصرف) وأولوية التوازنات المالية وتشجيع المضاربة في البورصة.
- تغيير علاقات العمل في اتجاه مرونة أكبر، والتي عنيت في النهاية حرية رجال الأعمال في فصل العمال/ات.
كانت هاته العناوين الكُبرى لسياسات التعديل الهيكلي بالمغرب، سيرًا على هَدي مسودة إجماع واشنطن، التي انتهت رسميًا عام 1993، لكنها استمرت بذات العُنفوان والتصميم، عبر برامج محاربة الفقر والشِراكات و الاتفاقات المتعددة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى عدة دول أخرى.
لم تُفضِ كلُ هاته السياسات إلى تخفيف عبء خدمة المديونية العمومية الخارجية، ولا إلى رفع معدلات النمو الاقتصادي، بل على العكس من ذلك، ارتفعت الديون العمومية الخارجية إلى مستويات غير مسبوقة، وتضخمت معها كذلك المديونية الداخلية:
بقي النمو الاقتصادي في مستويات ضعيفة حيث لم يتجاوز متوسط النمو بين 2010 و2020 نسبة 3,3 %.لكن إذا كانت السياسات التقويمية المُتَّبعة لم تُفضِ إلى رفع مؤشرات الاقتصاد الكُلي بالمغرب، ولم تضعه- كما كانت الوعود- على سكة تنمية حقيقية، فإنها نجحت في جعل المنظور الأُحادي غير القابل للنقاش (المنظور الليبرالي) سياسةً رسميةً للدولة، دون أن تخضع يومًا للإرادة الشعبية.
أضحى ذلك المنظور يُؤطِّر كُلَّ السياسات العمومية في جميع القطاعات، كما أضحى محل “إجماع” القوى السياسية المشاركة في لعبة الديمقراطية الزائفة بالمغرب، فيما أضحت الشِراكة مع المؤسسات المالية الدولية، والقوى الإمبريالية (والدولة الصهيونية) سياسة معلنة ودائمة من الحاكمين ومحل فخرهم.
فيما أصبح النظام الأساس للدولة (دستور 2011) يتضمن مبادئ مستمدة رأسًا من التصور النيوليبرالي للاقتصاد، وجرت دسترة التوازنات المالية، ودسترة أُسس انسحاب الدولة من تمويل القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة.
البنك وصندوق النقد الدوليان يؤطران الاقتصاد المغربي لما بعد 2011
نجح النظام الحاكم بالمغرب في تجاوز حِراك 2011، بل استعمله لمصلحته لتعزيز تغلغل المنظور الليبرالي عبر مأسسته دستوريًا، ونال الحاكمون الثناء من طرف المؤسسات المالية الدولية على كيفية تصرفه إزاء احتجاجات 20 فبراير، هاهو البنك الدولي يقول حينذاك:
“وسط الأحداث التاريخية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في 2011، شرعت المغرب من تلقاء نفسها في إجراء تغييرات سياسية واجتماعية مهمة، إذ تصدر الملك محمد السادس مشهد صياغة الدستور الجديد للبلاد، وتطبيق نطاق واسع من الإصلاحات للاستجابة للمطالب الشعبية المتمثلة في مزيد من الحكم الديمقراطي، وتحسين الفرص الاقتصادية” [2].
كان عدد من نقاط البرنامج النيوليبرالي قد جرى وضعها موضع التنفيذ، سواء كُليًا أو بشكل جزئي، في المراحل السابقة، ففي قطاع التعليم منذ 1999 جرى تبني الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي يُعَدُ إطارًا لتأسيس “مدرسة نيوليبرالية” تخدم السوق، فيما كان قطاع الصحة محل تغييرات جذرية انطلقت بمرسوم 30 مارس 1999 الذي قطع مع مجانية العلاج، وكان فاتحة لتغييرات تهدف إلى جعل قطاع الصحة قطاعًا تجاريًا ومجالًا للاستثمار الخاص الكبير، فيما جرى تأطير السياسات الزراعية بمشروع ضخم، وهو المغرب الأخضر، وهو مشروع يبتغي جعل القطاع الزراعي يعمل باستراتيجية الكُل للتصدير.
عَمِلَ البنك الدولي وفق آلية “الشِراكة الاستراتيجية”، وهي في الحقيقة شِراكة “العبد والسيد”، هاته الشراكة انطلقت منذ عام 2010 – 2013 (600 مليون دولار سنويًا) ثم 2014 -2017 (مليار دولار سنويًا) ثم 2019- 2024، وتقـوم الركائز الرئيسـة الثـلاث، التـي شكَّلت أولويـات إطـار الشِراكة الاستراتيجية الجديـدة ومجالات تركيزها عـلى: المذكـرة الاقتصاديـة الخاصة بالمغـرب الصـادرة بعنـوان «المغـرب عام 2040 النهوض الاقتصـادي بالاستثمار في رأس المال غير المادي» والتـي أُطلِقت في عام 2017، وكذلك على الدراسـة التشخيصية التي أُنجِـزت في عام 2018، وأخيرًا على الدراسـة التشخيصية للقطـاع الخـاص المغـربي.[3]
فيما كان صندوق النقد الدولي، يؤطِّر علاقاته بالمغرب، منذ عام 2012 بـ”أربعة اتفاقات متتالية في ظل خط الوقاية والسيولة PLL، بلغ قيمة كل منها نحو 3 مليارات دولار أمريكي، وجاءت أول موافقة على خط الوقاية والسيولة في 3 أغسطس 2012، فيما جاءت الموافقات على الثلاثة اتفاقات الإضافية في 28 يوليو 2014، و22 يوليو 2016، و17 ديسمبر 2018، وانتهت مدة الاتفاق الرابع في ظل خط الوقاية والسيولة في 7 إبريل 2020، عندما اشترت السلطات كل الموارد المتوافرة في ظل خط الوقاية والسيولة للحد من التأثير الاجتماعي والاقتصادي لجائحة كوفيد-19 والسماح للمغرب بالحفاظ على مستوى كافٍ من الاحتياطيات الرسمية، لتخفيف الضغوط على ميزان المدفوعات”[4].
و”وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي يوم 30 أبريل الماضي على عقد اتفاق لمدة عامين مع المغرب في ظل خط الائتمان المَرِن بقيمة تعادل 3,7262 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (نحو 5,0 مليار دولار أمريكي، أو ما يعادل 417% من حصة عضويته)”[5].
ارتهان كامل للمديونية
لا تُشكِّل اتفاقات الدولة المغربية مع المؤسسات المالية العالمية إلا جزءًا من استراتيجية كاملة قائمة على التمويل بالاستدانة، هكذا أضحى المغرب أحد الزبناء المخلصين للسوق المالية الدولية، وأحد من يطرحون سنويًا سندات الدَّين في تلك السوق، وبلغت تلك الطروحات هذا العام وحده نحو 2 مليار و500 مليون دولار، فيما استمرت الديون الثنائية الأخرى، وديون متعددة الأطراف (مع البنك الإفريقي للتنمية مثلًا) أحد وجهات التمويل المفضلة.
لقد أضحت المديونية العمومية بالمغرب تمثل أكثر من 93% من ناتجه الداخلي (سنة 2021)، والنسبة مرشحة للارتفاع في القادم من الأيام، بما ينذر بمزيد من السياسات التقشُّفية واقتطاع الميزانيات الاجتماعية وتسليعًا للخدمات العمومية وتعميقًا أكبر لتوجيه السياسات الاقتصادية لخدمة تسديد الديون.
تتوزع المديونية العمومية بين دَين داخلي يمثل 65% من إجمالي الدَّين، وبين دَين خارجي يستحوذ على 35 % من المديونية الإجمالية. بالنسبة للدَّين العمومي الداخلي، فتستثمر فيه البنوك الموجودة بالمغرب وكذلك الصناديق الائتمانية وصناديق التقاعد، ويعتبر الاستثمار في أصول الدَّين المغربي عملية مربحة ومضمونة، لكون هاته المؤسسات المالية على يقين تام من أن الخزينة العامة تسدد ما بذمتها على رأس كل شهر.
أما الدَّين العمومي الخارجي، فيتضمن الدائنين متعددي الأطراف والدائنين الثنائيين والدائنين الخواص، وأبرز الدائنين متعددي الأطراف يمثلهم البنك الدولي الذي يشكِّل وحده 34% من إجمالي الدَّين الخارجي متعدد الأطراف، كما يقترض المغرب أيضًا من عدد من دول الغرب، بينهم فرنسا صاحبة النصيب الأكبر من الدَّين المغربي، ما يعزز من استمرار العلاقة الاستعمارية بين البلدين[7].
نتائج كارثية على القطاعات الاجتماعية وعلى السيادة الغذائية
احتل المغرب عام 2022 المرتبة 123 من بين 192 دولة في مؤشر التنمية البشرية. وحده هذا الترتيب يشكِّل إدانة صارخة لكل السياسات الاقتصادية والاجتماعية المُتَّبعة منذ ثمانينيات القرن الماضي من قِبَل الحاكمين وبتأطير مباشر من المؤسسات المالية الدولية.
يقع كل هذا، فيما تمثل تحمُّلات الدَّين الخارجي السنوي نحو ثلاثة أضعاف ميزانية الصحة، ونحو ثلثي ميزانية التعليم، فيما تتفوق ميزانية الدفاع على كل الميزانيات الاجتماعية مجتمعة.
يتضح جليًا أن ما يتم تخصيصه لأهم القطاعات الاجتماعية (التعليم والصحة) هو أقل بكثير من مبالغ خدمة المديونية، وأقل مما يتم تخصيصه للدفاع، فلم تصل ميزانية الصحة العمومية أبدًا إلى نسبة 12% التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، حيث لم تتجاوز في أحسن الأحوال 8%.
يجادل الكثيرون بأن هناك ارتفاعًا مُطردًا في الميزانيات المُخصَصة لهذين القطاعين، لكن ما ينبغي معرفته هو: أولًا أن تلك الزيادة لا توازي ازدياد الحاجات الاجتماعية على الصحة والتعليم الناتجة عن النمو الديموغرافي، ثانيًا تلك الزيادات في الميزانية هي ناتجة عن برامج مُموَلة من المؤسسات المالية العالمية، في إطار رؤيتها الليبرالية، بمعنى أنها مشروطة بالسير نحو تسليع خدمات التربية والصحة، وفتحها للاستثمار الخاص، وبالسير نحو تغيير علاقات الشغل القائمة فيها، باعتبارها جزء من الوظيفة العمومية.
هكذا تنامى دور القطاع الخاص في التعليم بشكل حاد، مُحوِّلًا إياه إلى خدمة سِلْعِية في المناطق الحضرية، حيث شهد عدد من مؤسسات التعليم الابتدائي في الوسط الحضري تطورًا بالنسبة للقطاع العمومي بنسبة 8,18%، بينما نمى عدد مؤسسات القطاع التعليمي التجاري، بنسبة 70,47%، فيما انتقل عدد مؤسسات التعليم الابتدائي العمومي الحضري من 2798 عام 2010 إلى 3027 مؤسسة عام 2018.
في حين انتقل عدد مؤسسات التعليم التجاري في الثانوي من 467 عام 2010 إلى 920 مؤسسة عام 2018 بنسبة تطور بلغت 97%، بينما تطور عدد مؤسسات التعليم العمومي في الثانوي التأهيلي في الوسط الحضري بنسبة 27,7%، حيث انتقل عدد المؤسسات من 686 عام 2010 إلى 876 عام 2018.
في المقابل، انطلقت الدولة في برنامج هادف إلى إدخال علاقات عمل أكثر هشاشة داخل ما تبقى من قطاع عمومي تعليمي، فابتدأت منذ عام 2017 في تشغيل المدرسين والمدرسات بموجب عقود شغل مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وهي تُعِدُّ مشروعًا – بمَعِيَّة شركائها النقابيين- لتغيير القانون الأساسي للمُدرسين، بما يجعلهم تابعين للأكاديميات الجهوية وليس لوزارة التربية، الأمر الذي يعني إسقاطَ صفة الوظيفة العمومية عنهم، كما هي معروفة عبر ظهير تنظيمها لعام 1958.
وفي قطاع الصحة، تم قلب المنظومة الصحية رأسًا على عقب، حيث جرى نسخ التشريعات السابقة الخاصة بالخدمة الصحية العمومية وتلك المتعلقة بالتشغيل في القطاع لصالح منظومة جديدة، قوامها دور مركزي للقطاع الخاص، وإعداد خرائط صحية جهوية، وإخراج شغيلة الصحة من الوظيفة العمومية، وإحداث ما يطلق عليه بالوظيفة العمومية الصحية.
بموازاة ذلك لم يكن قطاع الفِلاحة فقط مجالًا لتطبيق المنظورات الليبرالية، بل كان قطاعًا مركزيًا في أجندة الحاكمين ومَنْ وراءهم؛ إذ فرضت المؤسسات المالية العالمية على المغرب- منذ بداية تدخُلها في البلد بداية ستينيات القرن العشرين- انتهاج سياسة فلاحية مُوجَّهة نحو التصدير، وتلقَّف الحسن الثاني والزمرة المُلتَفَّة حوله تلك البرامج وانطلقوا في تطبيقها، في محاولة لإيجاد قاعدة اجتماعية للنظام مُكوَّنة من بورجوازية فلاحية جرى تسليمها الأراضي “المُستَرجَعة” من المُعمِّرين الفرنسيين والإسبان، وتم دعمها باستثمارات عمومية كبيرة نحو القطاع الفلاحي، كان أهمها ما سُمِي بـ “سياسة السدود” وتتضمن تجهيز الضيعات الفلاحية الكبيرة بالسقي وتحفيزات مالية وضريبية كبيرة.
كانت تلك الاستثمارات في صلب تكُّون مديونية عمومية بالمغرب (إذا استثنينا الديون التي خلَّفها الاستعمار) لقد كان القطاع الفلاحي أول قطاع تُنفَذ فيه توصيات البنك وصندوق النقد الدوليين بالمغرب. ومع انفجار أزمة المديونية في الثمانينيات، تم تَبنِي برامجَ التقويم الهيكلي، وعلى المستوى الفلاحي جرى تنفيذ “برنامج التقويم الهيكلي الفلاحي”، لأجل تقوية الطبقة الرأسمالية الفلاحية وجعلها ضمانة تسديد المديونية، بعد إهداء هاته الطبقة قسمًا من أراضي المُعمِّرين في الستينيات (289000هكتار) والسبعينيات (400 ألف هكتار) وجاءت الخصخصة لتهديها ما بقي في يد الدولة من أراضي (328 ألف هكتار) ومن مقاولات فلاحية ومن إمكانات إنتاج وتسويق عبر تحرير أسعار المنتوجات الغذائية.
عمَّقت هاته السياسات من سيرورة إفقار الفلاحين الصِغار، وارتفعت الهجرة القروية، وجرى تحويل قسم من الفلاحين الصِغار إلى عمال في الاستغلاليات الرأسمالية الزراعية الكبيرة، ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تعمَّق المنحى حين انخرط الحاكمون في عدد هائل من اتفاقات التبادل الحر، أكبرها مع الاتحاد الأوروبي عام 2000 والولايات المتحدة عام 2006.
وضعت كل هذه السياسات الفلاحين الصغار في طريق الاندثار؛ اندثار المنتجين الرئيسيين لغذاء المغاربة، وبعد كل هاته السيرورة الليبرالية جاء مخطط المغرب الأخضر، ليقضي على ما تبقى من فِلاحة معاشية، حيث جرى تعميم النموذج الزراعي التصديري واحتكاره من قبل تكتلات رأسمالية فلاحية صناعية. واستدعى مخطط المغرب الأخضر على مدى سنوات عشر 2008-2018 استثمارًا إجماليًا بلغ 104 مليارات درهم، وكانت أبرز نتائجه ارتفاع عجز الميزان الغذائي بهذه الفترة، إذ بلغ المعدل السنوي للواردات الغذائية 42 مليار درهم، تمثل منها واردات الحبوب 34,5 %، مقابل 19,7 مليار درهم كمعدل صادرات غذائية، تمثل منها الطماطم الطَرِية والحوامض 32%.
ما البديل؟
تستمر الطبقات السائدة في المغرب في تعميق السياسات الليبرالية، وقد أعلنت الدولة مؤخرًا عن تبنيها لنموذج تنموي “جديد”، هو حرفيًا استمرار السياسات نفسها المُطبَّقة سابقًا، لكن بوتيرة أسرع وعمق أكبر، وسيتم تمويل هذا النموذج، كما أعلن واضعوه، بالاستدانة وبالـ”شِراكة” مع المؤسسات المالية الدولية، أي استمرار غوص البلد في دوامة المديونية، وترحيل ثرواتها إلى الخارج، ونيل الطبقات السائدة المحلية حصتها منها، في حين سيتم رهن التعليم والصحة والغذاء، أي حياة الناس، إلى الدائنين وإلى السوق.
في مواجهة هذا المصير، يبدو أن النضال الشعبي ضد السياسات الليبرالية هو الوسيلة الوحيدة للانفكاك من آثارها، وبطبيعة الحال، لا يمكن النضال ضد سياسات التفقير ورهن قوت الكادحين، دون النضال ضد أصل الداء: نظام المديونية، ورفع شعار “تعليق التسديد” لحين إجراء “تدقيق مواطني” في مديونية البلد، لأجل فرز الديون الكريهة وغير الشرعية، ووقف سدادها، وتوجيه تكاليفها إلى القطاعات الاجتماعية، بمنطق يستهدف تلبية الحاجيات الأساسية.
كما يجب القطع مع السياسة الفلاحية التصديرية، وتَبنِي سياسة فلاحية قائمة على السيادة الغذائية. إنَّ برنامجًا يتضمن النقط أعلاه، لا يمكن أن يكون إلا محمولًا على نضال شعبي واسع ومُنظَّم ذاتيًا، يحمل منظومة مطالب واسعة ومتكاملة يكون جوهرها الدفاع عن السيادتين الوطنية والشعبية، ضد أشكال الاستعمار الجديد المُمثَّل في
المديونية والتبادل الحُر، وضد الاستبداد الذي يضمن دوام الاستغلال وافتراس الثروات التي ينتجها العمال وصِغار المنتجين.
بقلم يونس الحبوسي / عضو جمعية أطاك المغرب
مقال نشر ضمن العدد الأول من مجلة أصوات الكوكب الأخرى باللغة العربية التي تصدرها الشبكة الدولية للجنة من أجل إلغاء الديون غير الشرعية (CADTM).
رابط تحميل العدد الأول من مجلة أصوات الكوكب الأخرى: هنا
______
الهوامش:
1- موقع البنك الدولي على الإنترنت على الرابط: https://data.albankaldawli.org/indicator/DT.TDS.DPPG.CD?locations=MA
2- المغرب عرض عام ، موقع مجموعة البنك الدولي على الإنترنت.
3-إطـار الشراكة الإستراتيجية الجديد بين المملكة المغربيـة ومجموعة البنك الدولي (2019-2024) – موقع مجموعة البنك الدولي على الإنترنت.
4- موقع صندوق النقد الدولي على الإنترنت https://www.imf.org/ar/News/Articles/2023/04/03/pr23104-imf-executive-board-approves-two-year-billion-flexible-credit-line-arrangement-for-morocco
5-نفسه
6-أرقام وزارة الاقتصاد والمالية المغرب، من قوانين المالية للسنوات المتعاقبة.
7 – أرضية حول المديونية صادرة عن المؤتمر الوطني السابع لجمعية أطاك المغرب.
8-من أرقام قوانين المالية بالمغرب
9- أرقام خدمة الدين مأخوذة من أرضية حول المديونية صادرة عن مؤتمر أطاك المغرب السابع.
10- كتاب “سيرورة إرساء وتطور السياسات التعليمية بالمغرب.” منشورات أطاك المغرب