بعد مرور عام فقط على توليها المسؤولية، تم تعديل حكومة يوسف شهد في تونس. نتذكر: في صيف عام 2016، وسط أزمة اقتصادية حادة، أبعد باجي قايد السبسي، أحد أكبر رؤساء الدول سنا في العالم ( سيصل سن 91 عاما نونبر القادم )، رئيس الوزراء حبيب الصيد لاستعادة السيطرة على السلطة التنفيذية . و قد عين مهره الجديد، يوسف شاهد ، رئيسا للحكومة. تقوم الأغلبية الحكومية التي بالكاد عدلت على تحالف الحزب الليبرالي المتطرف نداء تونس (الذي اجتمع فيه العديد من أعضاء النظام القديم على رأس صفهم الأول باجي قايد السبسي، مؤسس الحزب) و الفرع التونسي للإخوان المسلمين. خان تكوين السلطة التنفيذية الحكومة التكنوقراطية أكثر من سابقتها. عبر يوسف شاهد بكل بصراحة: سيكون التقشف برنامجها السياسي الذي نادى به صندوق النقد الدولي (FMI)، والذي وقعت معه تونس في مايو 2016 اتفاق لتمديد آلية القروض، ما يعني قرض يفوق 2.8 مليار دولار مقابل تطبيق خطة التكيف الهيكلي. وهذا هو الاتفاق الثاني الذي وقعته تونس وصندوق النقد الدولي منذ الإطاحة ببن علي في يناير 2011| 1|
حلزونية الدين، أكباش فداء، حلول كاذبة
وما لا يثير الدهشة أن برنامج انكماش الميزانية كان فشلا تاما. و قد تضاعف العجز الحكومي والديون في عام 2016 مقارنة مع التوقعات، ما أجبر صندوق النقد الدولي وسلطات البلد على مراجعة تقديراتهم للإنخفاض |2| . وتظهر إحصاءات صيف عام 2017 – مرة أخرى – أن الدين العام مرتفع، حيث بلغ 66.9٪ من الناتج الداخلي الإجمالي في يونيو 2017 (مقابل 41٪ في نهاية عام 2010). للتذكير، في مايو 2016، كانت السلطات التونسية، وذلك باتفاق مع صندوق النقد الدولي قد وضعوا هدفا لتحقيق الاستقرار على مستوى الدين إلى 51٪ من الناتج الداخلي الإجمالي في عام 2019، ثم في يونيو عام 2017، في حين أن الدين تجاوز 63٪ في عام 2016، أعلن صندوق النقد الدولي عن هدف الإبقاء عليه تحت حاجز من 70٪ من الناتج الداخلي الإجمالي حتى عام 2020. وللأسف، فإن نسبة الدين هذه قد ارتفعت بالفعل وفقا لمصدر موثوق به، و ليس هناك شك في أن صندوق النقد الدولي سوف يغير أهدافه مرة أخرى بالنظر للإنخفاض عندما يستعرض الإصلاحات التونسية في 2018 – دون أن يستخلص الدروس من إخفاقاته.
يردد مسؤولين سياسيين ومراقبين – ما يسمى خبراء واقتصاديين وشخصيات عامة، وبعض الصحفيين – منذ أشهر بلا ملل الخطاب السائد: إن “كتلة الأجور” كبيرة جدا و يجب خفضها. وقد طبقت هذه السياسة التي وضعها صندوق النقد الدولي في الواقع – باعتبار التوجهات السياسية الرئيسية التي نفذتها الحكومة – ما جعل تخفيض كتلة الأجور أحد الأهداف ذات الأولوية بالنسبة لتونس. في الواقع، فإن هذا الخطاب الأعمى الذي تعمقه إيديولوجية معادية للخدمات العامة يسعى إلى مسائلة الخيارات السياسية التي يتخذها الحكام من خلال إلقاء اللوم على واحدة من أكثر قطاعات المجتمع التونسي قتالية. وفي حين أن الدولة لا تقوم باستثمارات عامة (تسعى بدلا من ذلك إلى تعزيز “الشراكات بين القطاعين العام والخاص”، التي يجب اعتبارها استثمارات خاصة تدعمها الدولة، لفائدة مستثمرين يهتمون أساسا بقطاعات اقتصادية غير منتجة)، حيث يتقلص الاقتصاد، ومن الناحية الميكانيكية، أولئك الذين يرفضون الضغط على أجورهم – وهذا هو الحال بالنسبة لعمال و عاملات الخدمات العامة الذين نجحوا أحيانا، على الرغم من تجميد الأجور الذي يسعى إليه صندوق النقد الدولي والسلطات التونسية منذ عام 2012، في الرفع من أجورهم لمواجهة ارتفاع الأسعار – أصبحوا “مكلفين للغاية” لدولة تعزوها مصادر أخرى للتمويل غير الديون.
أما اللازمة الأخرى للحكومة فهي مكافحة الفساد، الذي بخصوصه تصيح بصوت عال، وتجد من خلاله طريقة لتجديد شعارها. ومع ذلك، فإن حملة مكافحة الفساد هذه تخللتها بشكل خاص أوجه القصور: هنا وهناك رجال أعمال معتقلون مرتبطون بأنشطة احتيالية أو تهريب، ولكن في الوقت نفسه، قانون “المصالحة “الذي يهدف إلى تقديم الإفلات من العقاب للفاسدين من حقبة بن علي الفاسدة الذي تبناه البرلمان التونسي في 13 شتنبر الأخير ، في حين عاد العديد من القادة السياسيين للنظام السابق إلى الحياة العامة.
نأخذ نفس الأشخاص ونبدأ مرة أخرى؟
قام يوسف شاهد في هذه البيئة بتعديل حكومته في 6 شتنبر، وحصل الوزراء الجدد على ثقة البرلمان بعد أيام قليلة. في العام الماضي، انتقد يوسف شاهد خيارات السياسة الاقتصادية التي قام بها أسلافه، ثم أعلن أنه سيتبع الطريق نفسه. هذا التغيير هو جزء من نفس النوع من الدائرة: في حين أنه يمثل اعترافا بالفشل، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن السياسات التي ستتبعها الحكومة الجديدة سوف تختلف عن تلك التي تم تنفيذها خلال العام الماضي. على العكس: خلال تقديم الحكومة الجديدة في البرلمان، قام يوسف شاهد مرة أخرى بتحديد الأهداف التي حددها صندوق النقد الدولي للأهداف ذات الأولوية للبلاد. |3|
علاوة على ذلك، سوف يتم تطبيق الوصفات القديمة من قبل الطهاة القدامى: شدد صحفيي ونواب الجبهة الشعبية بقوة على دخول وزراء النظام القديم الحكومة – ليسوا الأولون ، ولكن عددهم يزداد كذلك. وقد عين في المالية رضا شلغوم، الذي كان على رأس نفس الوزارة خلال العام الأخير من رئاسة بن علي (ربما سيكون قادرا على إظهار أين توجد تلك الأموال المنهوبة من قبل الجماعة السابقة التي لم تسترد بعد ؟)، في حين تولى حاتم بن سالم منصب وزير التربية الوطنية الذي كان قد شغله من غشت 2008 حتى سقوط الطاغية.
هذا التغيير هو أيضا فرصة للرئيس، باجي قائد السبسي، لتشديد قبضته أكثر على السلطة التنفيذية: على سبيل المثال، رضا شلغوم كان مستشارا اقتصاديا للرئيس، وكان سليم شاكر – وزير الصحة الآن – يملك محفظة وزارية في الحكومة الانتقالية بقيادة السبسي في عام 2011. فيما يخص سليم شاكر، نشير بأنه، حين ندد يوسف شاهد عند توليه المنصب بخيارات أسلافه، أعفي شاكر من مهامه كوزير للمالية فقط ليصبح مستشارا سياسيا للرئاسة.
سيتم نقاش، خلال الأسابيع المقبلة، ومن ثم من المفترض اعتمادها، قانون المالية لعام 2018 الذي ستنص الحكومة من خلاله على مواصلة تطبيق سياسات التقشف القوية. وعلينا أن نتذكر أن السياسات التي يدعو إليها صندوق النقد الدولي لم تؤت ثمارها، وأن المجتمع التونسي يمكن أن يستفيد من خيارات مختلفة جذريا: خيارات خطط الاستثمار في القطاعات الإنتاجية للاقتصاد وفي المجالات الاجتماعية، ولا سيما في مجالي التعليم والصحة، التي يمكن تمويلها عن طريق أداء ديون غير شرعية – بسبب إطاحة النظام في عام 2011، والتي أقرضها الدائنون عن سابق علم – حيث أصبحت الاستدامة الآن واضحة تماما. وسيكون هذا التحدي موضوع تدقيق كما اقترحه البرلمانيون التونسيون بمبادرة من الجبهة الشعبية.
أما في بلدان الشمال، فالمسألة من جهة الضغط على الدائنين حتى يتخلوا عن مطالبهم بسداد ديون غير شرعية وأن يوقفوا فرض إملائتهم السياسية على تونس؛ ومن جهة أخرى بناء التضامن مع النضالات الشعبية في تونس، والتي تحمل فيها إمكانية خيارات أخرى من المجتمع. ومن الضروري دعم وتحفيز تطور النضالات كتلك الخاصة بالعمال و العاملات في الخدمة العامة، والخريجين العاطلين عن العمل الشباب، والسكان من المناطق الداخلية المحرومة (مثل سكان تطاوين الذين تمردوا في الربيع الأخير). إذا تقاربت هذه النضالات، يمكن أن تكون تونس، مرة أخرى، جنبا إلى جنب مع الحركة الشعبية القوية (الحراك) في الريف في المغرب، مصدرا هاما للأمل والإلهام لنضالات شعوب المنطقة، ولكن أيضا في أماكن أخرى، في الجنوب كما هو الحال في شمال الكوكب…
Nathan Legrand9 أكتوبر
النص الأصلي : http://www.cadtm.org/Tunisie-face-a-la-contre
تعريب : وحيد عسري
|1| À propos du remaniement de l’été 2016 et du programme d’austérité imposé par le FMI, voir Fathi Chamkhi, « La Tunisie est dans la crise jusqu’au cou », cadtm.org, 6 septembre 2016. URL : http://www.cadtm.org/La-Tunisie-est-dans-la-crise-jusqu ; voir aussi Nathan Legrand, « La Tunisie sous le joug du FMI », cadtm.org, 11 octobre 2016. URL : http://www.cadtm.org/La-Tunisie-sous-le-joug-du-FMI
|2| Voir par exemple Michel Cermak, Nathalie Janne d’Othée, Nathan Legrand, « En Tunisie, les créanciers dictent la ligne politique », cadtm.org, 11 juillet 2017. URL : http://www.cadtm.org/En-Tunisie-les-creanciers-dictent
|3| Voir par exemple Frida Dahmani, « Tunisie : Youssef Chahed était devant l’Assemblée pour l’investiture de son nouveau gouvernement », JeuneAfrique.com, 11 septembre 2017. URL : http://www.jeuneafrique.com/473414/…
|4| CADTM International (communiqué), « Le réseau CADTM soutient la proposition de loi pour l’audit de la dette publique qui vient d’être déposée au parlement tunisien », 22 juin 2016. URL : http://www.cadtm.org/Le-reseau-CADTM-soutient-la