21  يوليو 2018

بقلم: إريك توسان

إن قمع النظام الموجه ضد أولئك الذين يحتجون في الشارع ضد سياساته النيو-ليبرالية الوحشية هو أحد الأسباب التي دفعت مختلف الحركات الاجتماعية إلى إدانة نظام الرئيس دانييل أورتيغا ونائبة الرئيس روزاريو موريللو. لدى اليسار أسباب إضافية متعددة للتنديد بهذا النظام والسياسة التي يقودها. لفهم ذلك، من الضروري تلخيص ما حدث منذ عام 1979.

ثورة حقيقية سنة 1979

في 19 يوليو 1979، انتصرت ثورة شعبية حقيقية في نيكاراغوا وانهت نظام سلالة سوموزا الديكتاتورية. قامت جبهة التحرير الوطنية الساندينية (الجبهة الساندينية للتحرر الوطني) بدورا أساسي في الانتصار من خلال دورها في الكفاح المسلح، ومبادراتها السياسية وقدرتها على تمثيل تطلعات الشعب. بيد أن الجبهة الساندينية للتحرر الوطني لم يكن بوسعها أبدا التغلب على الدكتاتورية دون التعبئة الاستثنائية لغالبية الشعب النيكاراغوي. فبدون شجاعة هذا الشعب وتفانيه، لم يكن بالإمكان هزيمة الدكتاتورية السوموزية التي دعمتها واشنطن بشكل دائم طيلة عقود من الزمن. وقد لعبت مساندة كوبا دوراً إيجابياً. في السنوات التي أعقبت الانتصار، شهد جزء كبير من الطبقات الشعبية تحسن ظروف معيشتهم فيما يتعلق بالصحة والتعليم والإسكان وحق التعبير والتنظيم وحقوق العمال الحضريين والقرويين. تم تأميم البنوك وكذلك سلسلة من الشركات الصناعية والأعمال التجارية الزراعية. وهذا ما استثار حماسة كبيرة، سواء داخل البلد أو على مستوى التضامن الدولي الذي كان مهمًا للغاية. ذهب عشرات الآلاف من الناشطين من جميع أنحاء العالم (بشكل رئيسي من أمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية وأوروبا) إلى نيكاراغوا لتقديم المساعدة، وللمشاركة في فرق العمل التطوعية، وللمساهمة في تحسين الصحة والتعليم والإسكان، ولمنع عزل الثورة. في أوائل ثمانينيات القرن العشرين، تحالف الرأسمال الكبير في نيكاراغوا مع شركات خاصة عابرة للحدود تعمل في أمريكا الوسطى (في الأعمال التجارية الزراعية، والاستخراج المنجمي، وما إلى ذلك) ومع الإمبريالية الأمريكية وأتباعها (مثل النظام “الاشتراكي” لكارلوس أندريس بيريز في فنزويلا، وأنظمة ديكتاتورية مثل ذلك القائم في هندوراس) لأجل وضع حد لهذه التجربة الاستثنائية للتحرر الاجتماعي واستعادة الكرامة الوطنية. يتعلق الأمر أيضا بالعمل على منع امتداد الثورة التي كانت فعلا في متناول اليد في التسعينات. وبالفعل، اندلعت الثورة الاجتماعية في المنطقة، وخاصة في السلفادور وغواتيمالا حيث كانت القوى الثورية المقربة من الساندينيين تناضل منذ عقود. ولم تتردد كوبا في تحدي واشنطن والطبقات المهيمنة في أمريكا الوسطى من خلال دعم ثورة أمريكا الوسطى. الكونتراس

أقام الأعداء الداخليون والخارجيون قوات الكونتراس، وهو جيش مضاد للثورة يهدف إلى الإطاحة بنظام الساندينيين. اكتسبت الكونتراس قوة نيران شرسة تمكنت من ضرب الثورة بقسوة وأطالت أمد الصراع حتى عام 1989. مولتهم واشنطن، ودربتهم، وقدمتهم على الصعيد الدولي كجيش تحرير. بالإضافة إلى ذلك، قوض الجيش الأمريكي الموانئ، وبسبب ذلك أدانت محكمة العدل الدولية في لاهاي الولايات المتحدة الأمريكية[1]. ردا على ذلك، أعلنت هذه الأخيرة أنها لم تعد تعترف باختصاص هذه المحكمة. على الرغم من الإنجازات الاجتماعية والديمقراطية، سرعان ما كشفت سياسة القيادة الساندينية عن قصور خطير. فقد تم تنفيذ الإصلاح الزراعي، الذي طال انتظاره من قبل جزء كبير من سكان الريف، بطريقة غير كافية: كانت الحكومة بطيئة في توزيع الأراضي وسندات الملكية لصالح صغار المزارعين. ووجد الكونتراس قاعدة اجتماعية وسط جزء عام من الفلاحين الذين خاب أملهم بسبب إحجام قادة الساندينيين عن تنظيم إعادة توزيع الأراضي. شارك أغلبية السكان في المناطق الحضرية في الثورة، بينما كان الوضع في البادية أكثر تناقضاً. كان المؤيدون الحماسيون للثورة الجارية أقل عددًا.

“القيادة تأمر”

بالطبع، كان المسؤولون الرئيسيون عن الوضع الصعب للمجتمع النيكاراغوي هما الإمبريالية في أمريكا الشمالية والطبقات الحاكمة المحلية التي تريد حماية امتيازاتها ومواصلة استغلال الشعب. لكن توجه قيادة الساندينيين لعب أيضاً دوراً في فشل توسع الثورة وتوطيدها. من بين مسؤوليات هذا القيادة، كان هناك اتجاهها السلطوي الذي عبر عنه الشعار الذي أطلقته، “القيادة تأمر”. هذا يعني أن الجماهير كان عليها أن تنتظر تعليمات قيادة الساندينيين وأن تنفذها. هذا ما قلل من ديناميات التنظيم الذاتي للشعب. كما أن الطريقة التي خيضت بها الحرب أحدثت آثارًا مقلقة.  انتقد يسار الجبهة الساندينية للتحرر الوطني (ولا سيما من خلال مجلة Nicaragua Desde Adentro) أومبيرتو أورتيغا، القائد العام للجيش، شقيق دانيال أورتيغا، لأنه قام بتطوير جيش “كلاسيكي” على صعيد التسلح بالدبابات الثقيلة، والتي كانت مكلفة ولم تكن مناسبة في المعركة ضد الكونتراس التي استخدمت أساليب حرب العصابات[2]. كما عزز التجنيد الإلزامي للشباب لتدعيم الجيش سوء فهم جزء كبير من السكان.

برنامج تقويم هيكلي في ظل حكومة الساندينيين

إضافة إلى ذلك، وابتداء من سنة 1988، بدأت قيادة الساندينيين في تنفيذ برنامج تقويم هيكلي أدى إلى تدهور الظروف المعيشية لأغلبية السكان الفقراء ولم يلحق ضررا بالأغنياء[3]. كان برنامج التقويم الهيكلي مشابها تماماً لذلك الذي فرضه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي حتى لو كانت هاتان المؤسستان، تحت تأثير واشنطن، قد علقتا مساعدتهما للسلطات الساندينية[4]. جرى انتقاد برنامج التقويم هذا من قبل تيار داخل الجبهة الساندينية للتحرر الوطني لأن تكاليفه تتحملها القطاعات الشعبية. أتذكر جيدا الإجابة التي قدمها لنا عمر كابيزاس علنا ​​[5]، قائد حرب العصابات وعضو مجلس الساندينيين، عندما سئل في 1989 كيف أمكن لحكومة الساندينيين تنفيذ برنامج التقويم الهيكلي شبيه ببرامج صندوق النقد الدولي. أجاب بأن برنامج التقويم الهيكلي يشبه بندقية كلاشينكوف أو بندقية شبه أوتوماتيكية، تعتمد على من يستخدمها. إذا كان الثوريون هم من يستخدمونها، فهذا جيد. طبعا من المستحيل أن يكون مثل هذا الجواب مقنعا.

الحفاظ على النموذج الاستخراجي التصديري مع أجور منخفضة

في الواقع، قدمت قيادة الساندينيين تنازلات كثيرة لأرباب العمل، خاصة على مستوى الأجور التي ظلت منخفضة للغاية. وتمثلت الحجة المستخدمة لتبرير هذه السياسة في ضرورة تصدير نيكارغوا لأكبر قدر ممكن إلى السوق العالمية، ولكي تظل قادرة على المنافسة، فهي مضطرة إلى خفض الأجور. ولم تتخذ إلا اجراءات قليلة جدا في اتجاه التخلي التدريجي عن النموذج الاستخراجي التصديري المعتمد على التكاليف المنخفضة. فللخروج من هذا النموذج، الذي يعتمد بشكل صارم على القدرة التنافسية في السوق العالمية، كان من الضروري معارضة مصالح الرأسماليين الذين ما زالوا يهيمنون على قطاع التصدير الاستخراجي. كان من الضروري تعزيز المنتجين الصغار والمتوسطين الذين يزودون السوق الداخلية. في سنة 1989، توصلت حكومة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني إلى اتفاق مع الكونتراس لإنهاء الأعمال العدائية، وهو أمر جيد بالطبع. تم تقديم ذلك كنصر للاستراتيجية المتبعة. وكان في الواقع نصرا باهظ الثمن. ونظمت قيادة الساندينيين انتخابات عامة في شهر أبريل 1990 وهي على ثقة بانها ستفوز بها. لكنها أصيبت بالصدمة والهلع من جراء نتائج هذه الانتخابات: فاز اليمين لتأكيده على أن فوز الجبهة الساندينية للتحرر الوطني بالانتخابات يعني استئناف أعمال القتال المسلحة. أراد أغلبية الشعب تجنب استئناف حمام الدم[6] وصوتوا بدون أي حماسة لليمين. لقد أملوا في انتهاء الحرب بشكل تام. كما أصيبت بعض القطاعات الشعبية بخيبة أمل من السياسات التي اتبعتها حكومة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني في المناطق القروية (الإصلاح الزراعي غير الكافي) وفي المناطق الحضرية (الآثار السلبية للتقشف التي فرضه برنامج التقويم الهيكلي الذي بدأ في عام 1988) بالرغم من أن منظمات الساندينيين لا تزال تتمتع بتعاطف كبير لدى جزء هام من الشباب والطبقة العاملة والموظفين المدنيين ولدى جزء كبير من العمال القرويين. وكانت قيادة الساندينيين، التي كانت تتوقع 70 في المائة من الأصوات في انتخابات نيسان / أبريل 1990، قد صُعقت لأنها لم تدرك الحالة الذهنية لجزء كبير من الشعب. وهذا يدل على المسافة التي نشأت بين القيادة المعتادة على إصدار التعليمات وأغلبية الشعب. كانت السياسات المتبعة من قيادة الساندينيين يحددها بشكل رئيسي دانيال أورتيغا وشقيقه أومبيرتو.

البينياتا La piñata

بعد انتصار اليمين، تم تقسيم جزء كبير من العقارات التي صودرت من السوموزيين بعد انتصار عام 1979 بين قادة الساندينيين الرئيسيين، الذين أصبحوا بالتالي أثرياء للغاية. شارك بعض القادة في هذه العملية، المعروفة في نيكاراغوا باسم piñata . وبرر قادة الساندينيين الذين نظموا البينياتا بضرورة تأمين ثروة لصالح الجبهة الساندينية للتحرر الوطني ضد حكومة جديدة كانت تهدد بمصادرة ممتلكات الحزب. وحسب زعمهم، سيكون من الأفضل منحها على شكل ملكية خاصة لأشخاص جديرين بالثقة مثلهم. ومن الناحية العملية، تحول جزء كبير من القادة إلى أثرياء جدد، وتغيرت عقليتهم.

جيش الساندينيين بعد الهزيمة الانتخابية في أبريل 1990

تفاوضت قيادة الساندينيين، بقيادة دانييل وأومبيرتو أورتيغا، مع الحكومة الجديدة لفيوليتا تشامورو على الانتقال. ظل أومبرتو القائد الأعلى للجيش الذي تم تقليصه إلى حد كبير. وجرى تسريح القسم الأكثر يسارية من الجيش، بذريعة تقديمه صواريخ إلى جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني (FFMLN)، التي كانت لا تزال تحاول في ذلك الوقت إثارة انتفاضة عامة في السلفادور. كانت السلطات السوفييتية، في إطار التقارب بين الرئيسين غورباتشوف[7] وجورج بوش [8]، قد نددت بوصول صواريخ سام 7 وسام 14، التي سلّمها الاتحاد السوفييتي [9] إلى الساندينيين، لأيدي جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني واستخدامها لإسقاط طائرات الهليكوبتر التابعة للجيش الأمريكي العاملة في السلفادور[10]. وتم سجن أربعة ضباط ساندينيين بأمر من أومبيرتو أورتيغا مع التبرير التالي: “هذه المجموعة الصغيرة من الضباط، التي أعماها شغفها السياسي واسترشادها بالحجج المتطرفة، أضرت بالشرف العسكري والولاء للمؤسسة والقيادة العسكرية، وهو ما يعد مسا بالمصالح المقدسة والوطنية والثورية لنيكاراغوا “[11]. وهذا ما أثار انتقادات قوية للغاية من الجبهة الوطنية للعمال (والتي ضمت كذلك منظمات نقابية ساندينية)، ومن الشبيبة الساندينية وكذلك من العديد من مناضلي الجبهة الساندينية للتحرر الوطني. بالإضافة إلى ذلك، اتهم قطاع من يسار الجبهة الساندينية للتحرر الوطني أومبيرتو أورتيجا باختياره البقاء رئيسًا للجيش تحت رئاسة اليمين بدلاً من المشاركة في المعارضة السياسية للنظام الجديد من خلال ترك قيادة الجيش لنائبه، الذي هو أيضا عضو في الجبهة الساندينية للتحرر الوطني.

 الجبهة الساندينية للتحرر الوطني وحكومة فيوليتا تشامورو

بعد أشهر قليلة من بدء ولاية الرئيسة فيوليتا تشامورو، انتشرت حركة احتجاج ضخمة في جميع أنحاء البلاد في يوليو 1990. وتمت تغطية ماناغوا ومدن أخرى بمتاريس الساندينيين، وأعلنت النقابات إضرابا عاما. وتوج هذا الأمر بتسوية مع حكومة فيوليتا تشامورو، التي تراجعت عن بعض الإجراءات، لكن وقف الحركة من فوق من قبل قيادة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني أثار استياءً من لدن القاعدة الساندينية. وفي وقت لاحق، منحت قيادة الجبهة تدريجيا تنازلات لتشامورو بقبول تفكيك القطاع المصرفي العام، وتقليص القطاع العام في الزراعة والصناعة، والتخلي عن احتكار الدولة للتجارة الخارجية. وقامت تشامورو أيضا بتنظيم تطهير في صفوف الشرطة وأدخلت مقاتلي الكونتراس السابقين. هذه الشرطة هي نفسها التي تقمع الاحتجاج الاجتماعي في 2018، جنبا إلى جنب مع الميليشيات شبه العسكرية التي سنتحدث عنها في وقت لاحق. لم تقم تشامورو بمهاجمة الجيش مباشرة كجزء من اتفاق التعايش مع قيادة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني. وتعهد الساندينيون، وهم في المعارضة، بالتعاون على نزع سلاح السكان. أسفرت الأشهر الستة الأولى من سنة 1991 عن تجذر في قيادة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني جزئيا تحت ضغط قادة المنظمات الاجتماعية الساندينية والنشاط الذاتي للجماهير الذين يريدون الدفاع قدر الإمكان عن مكاسب الثورة. لا يسع المرء إلا أن يعجب بمستوى النشاط الذاتي للجماهير التي ترغب في مقاومة وتبني أشكال مختلفة من النضالات: احتلال الأراضي، واحتلال المقاولات، وإحياء الإنتاج تحت رقابة العمال، والنضالات المفتوحة (الإضرابات، والمسيرات، والمتاريس) التي شملت مختلف القطاعات. لعب الشباب دورًا ديناميكيًا للغاية. عكس بعض زعماء الساندينيين (ليسوا أعضاء في القيادة الوطنية ولكن بشكل خاص وزراء سابقين من الساندينيين مثل أليخاندرو مارتينيز – كوينكا) الاتجاه العام، وتحدثوا علناً عن الحاجة إلى دعم مشروط لحكومة فيوليتا تشامورو، وإلى دعم السياسة التي يمليها صندوق النقد الدولي لأنها جزء من السياسة التي اعتمدتها حكومة الساندينيين منذ سنة 1988 [12].

المؤتمر الأول للجبهة الساندينية للتحرر الوطني في يوليو 1991

بمناسبة المؤتمر الأول للجبهة الساندينية للتحرر الوطني، الذي انعقد في يوليو 1991، تبين أنها لا زالت مفعمة بحيوية كبيرة، وقدمت القيادة وثيقة تحمل نقدا ذاتيا فيما يتعلق بأوجه القصور في السياسة الزراعية في الثمانينات وبنمط القيادة العمودي الذي كان متبعا[13]. ومن بين علامات هذا التجذر، انسحاب الكتلة البرلمانية الساندينية من البرلمان لفترة غير محدودة احتجاجا على الإصلاحات النيوليبرالية والهجوم اليميني. سيحدث منعطف نحو اليمين تحت قيادة دانييل أورتيغا استعداداً لانتخابات 1996.

التحول اليميني لدانييل أورتيغا في سنة 1996

خلال الحملة الانتخابية لسنة 1996، لم يدخر دانيال أورتيجا أي جهد لمد اليد إلى البرجوازية الكبرى، وإبراز تحوله لصالح فوائد اقتصاد السوق، وتبنيه خطاب معتدل إزاء واشنطن. فاز المرشح اليميني أرنولدو أليمان بالانتخابات بنسبة 51٪ من الأصوات في حين فاز دانييل أورتيغا بنسبة 38٪ من الأصوات. بينما لم يحز سيرجيو راميريز، العضو السابق في القيادة الوطنية الذي انشق عن الجبهة الساندينية للتحرر الوطني لإطلاق حركة التجديد الساندينية سوى على 0.44 ٪ من الأصوات. ووفقا لمونيكا بالتودانو، وهي مناضلة سابقة في الجبهة الساندينية للتحرر الوطني[14] : “إن المواجهة داخل الجبهة الساندينية بين 1993-1995 [والتي أدت إلى إنشاء حركة التجديد الساندينية، أقنعت أورتيجا والمقربين منه بالأهمية البالغة لضبط بنيات الجبهة. الشيء الذي تجسد بشكل أكثر دقة في مؤتمر الجبهة في 1998، حيث بدأت بالتخلص ممن بقي من القيادة الوطنية وجمعيتها العمومية ومؤتمرها، وجرت الاستعاضة عنهم بمجلس حضره قادة المنظمات الشعبية الموالية لأورتيجا. وشيئا فشيئا، حتى هذا المجلس لم يعد يجتمع. وفي تلك اللحظة، حدثت قطيعة كبيرة. لقد كان من الواضح حينها أن أورتيجا كان يبتعد أكثر فأكثر عن مواقف اليسار وكان يركز كل استراتيجيته على توسيع سلطته. لقد اهتم أكثر فأكثر بالسلطة لأجل الوصول إلى السلطة. لذلك، ولزيادة سلطته، بدأ سيرورات تحالفات متتالية. الأولى مع الرئيس أرنولدو أليمان التي أنتجت الإصلاحات الدستورية لفترة 1999-2000. كان الاقتراح المركزي للتحالف مع أليمان هو تخفيض نسبة 35٪ اللازمة للفوز في الانتخابات، وتقاسم مراكز جميع مؤسسات الدولة بين الطرفين، وضمان أمن الممتلكات والمقاولات الشخصية لقادة الجبهة الساندينية للتحرر الوطني. في مقابل ذلك، ضمن أورتيجا لحليفه أليمان “الحكم”: “انتهت الإضرابات والنضالات المطلبية. توقفت جبهة الساندينيين عن معارضة السياسات النيوليبرالية. توقفت المنظمات، التي أصبح قادتها الرئيسيون أعضاءً في البرلمان في السنوات التالية أو جزءًا من دائرة نفوذ أورتيجا، عن النضال والمقاومة”[15]. باختصار، في نهاية ولاية أرنولدو أليمان، أبرم هذا الأخير اتفاقًا مع دانيال أورتيغا لكي يدخل المزيد من الموالين له إلى المؤسسات. ونتيجة لذلك، فإنهم يوسعون تواجدهم في مؤسسات مثل المجلس الانتخابي، ومجلس الحسابات، والمحكمة العليا. خسر دانييل أورتيغا الانتخابات الرئاسية عام 2001 بنسبة 42٪ من الأصوات ضد انريكي بولانيوس، نائب الرئيس السابق لأرنولدو أليمان، الذي حصل على 56٪ من الأصوات.

عقد دانييل أورتيغا صفقة مع أرنولدو أليمان أحد قادة اليمين البارزين

تم تفعيل ميثاق أليمان – أورتيغا عندما قررانريكي بولانيوس، الذي أصبح رئيسًا، مهاجمة زميله السابق أليمان من خلال دعم إدانته بالفساد والحكم عليه بالسجن لمدة 20 عامًا. في سنة 2003، سيوعز دانييل أورتيغا للرجال الذين وضعهم في السلطة القضائية بالتدخل حتى يتمتع أليمان بنظام خاص ويمكن أن يقضي عقوبته في منزله. في وقت لاحق من سنة 2009، بعد عامين من انتخابه رئيسًا لنيكاراغوا، سيدعم دانيال أورتيجا قرار المحكمة العليا بإلغاء إدانة أليمان، والذي سيستعيد حريته كاملةً. وبعد بضعة أيام، في المقابل، صوتت مجموعة الحزب الليبرالي البرلمانية التي يقودها أليمان لصالح انتخاب أحد السانديين على رأس الجمعية الوطنية.

 في سنة 2005، يتقرب دانييل أورتيغا من الكاردينال المحافظ ميغيل أوباندو برافو: اعتناق الكاثوليكية والزواج في الكنيسة

فاز دانييل أورتيغا بالانتخابات الرئاسية عام 2007 من خلال تقديم تعهدات لسلسلة من أعداء الساندينية. نجح دانييل أورتيغا في الحصول على دعم الكاردينال ميغيل أوباندو برافو الذي قاومه بشدة لأنه حارب ثورة الساندينيين خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات، بل دعم بشكل شبه علني قوات الكونتراس. ولتحسين العلاقات مع الكاردينال الرجعي، اعتذر دانيال أورتيغا عن المعاملة التي عانت منها الكنيسة خلال السيرورة الثورية. اعتنق الكاثوليكية وطلب من ميغيل أوباندو برافو نطق زواجه مع روزاريو موريللو في سبتمبر 2005[16].

في سنة 2006، تبنى دانييل أورتيجا الحظر الكامل للإجهاض

في سنة 2006، أي قبل بضعة أشهر من الانتخابات، دعمت المجموعة البرلمانية للجبهة الساندينية للتحرر الوطني بقيادة دانيال أورتيغا، تبني قانون رجعي متطرف يحظر الإجهاض بشكل كامل ولو في حالة الخطر على الصحة أو على حياة المرأة الحامل، أو في حالة الحمل بعد الاغتصاب. تم تنفيذ هذا القانون مع بدء سريان القانون الجنائي الجديد في يوليو 2008 تحت رئاسة دانييل أورتيغا. وقبل ذلك، كان الإجهاض “العلاجي” (في حالة الخطر على صحة المرأة الحامل أو في حالة الحمل بسبب الاغتصاب) [17] مسموحا به منذ سنة 1837.

سيركز الجزء الثاني على الفترة التي افتتحها انتخاب دانييل أورتيغا رئيسًا لنيكاراغوا في أكتوبر 2006. قام الكاتب بعشرات من الرحلات إلى نيكاراغوا وبقية بلدان أمريكا الوسطى بين عامي 1984 و1992. وشارك في تنظيم ألوية العمل التطوعي من النقابيين وغيرهم من نشطاء التضامن الدوليين الذين كانوا يذهبون من بلجيكا. وذهب إلى نيكاراغوا في سنوات 1985-1989. كان واحدا من منشطي نقابيي فيدرالية العمال البلجيكيين لأجل نيكاراغوا. وقد عقد اجتماعات مع مختلف أعضاء قيادة الساندينيين: توماس بورج ، وهنري رويز ، ولويس كاريون ، وفيكتور تيرادو لوبيز خلال الفترة 1984 – 1992. وكان على اتصال وثيق مع المنظمة الساندينية لعمال الزراعة. تمت دعوته إلى المؤتمر الأول للجبهة الساندينية للتحرر الوطني في يوليو 1991 والى المنتدى الثالث لساوباولو الذي عقد في ماناغوا في يوليو 1993. وفي المعهد الدولي للبحث والتكوين بأمستردام، قدم تكوينات في الثمانينيات عن الاستراتيجية الثورية الجبهة الساندينية للتحرر الوطني قبل الاستيلاء على السلطة وفي الفترة ما بعد 1979. يتقدم الكاتب بالشكر لناثان لوجران على التدقيق اللغوي والمساعدة في العثور على الوثائق. وكذلك كلود كيمار وبريجيت بونتي على التدقيق اللغوي وجولدو دومينغيز لوضعه على الإنترنت.

 [1]  مونيك تشيميلييه – غندرو ، “كيف أدانت محكمة لاهاي الولايات المتحدة بسبب تصرفاتها في أمريكا الوسطى” ، لوموند ديبلوماتيك ، أغسطس 1986 https://www.monde-

diplomatique.fr/1986/08/CHEMILLIER_GENDREAU/39416 [2]  انظر انبركور عدد  328، أبريل 1991

[3]  انظر مجلة نيكاراغوا Envio ، آب / أغسطس 1988 ، مقتطفات منها نُشرت في مجلة Inprecor ، العدد 273 تشرين الأول / أكتوبر 1988 تحت عنوان “نيكاراغوا: علاج الصدمة”

[4]  انظر Éric Toussaint ، البنك الدولي ، الانقلاب الدائم ،.  Banque mondiale, le coup d’Etat permanent, chapitre 5, p. 68-69   [5] لمزيد من المعلومات حول عمر كابيثاس  https://es.wikipedia.org/wiki/Omar_Cabezas   [6]  تعطي المقارنة التالية فكرة عن الخسائر في الأرواح أثناء القتال المضاد: إذا قمنا باستكمال هذه الخسائر بما يتناسب مع عدد سكان الولايات المتحدة، فإن ذلك سيشكل مليوني حالة وفاة.

[7]  قاد ميخائيل جورباتشوف ، المزداد عام 1931 ، اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية بين عامي 1985 و 1991.

[8]  كان جورج بوش ، المولود عام 1924 ، هو الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة لفترة واحدة من يناير 1989 إلى يناير 1993. وهو والد جورج دبليو بوش ، المولود عام 1946 ، والذي كان الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة. ، وفقا ل يناير 2001 إلى يناير 2009.

[9]  في عام 1990 كان الاتحاد السوفياتي لا يزال موجودًا، برئاسة ميخائيل جورباتشوف. وقد مرت بعملية تفكك بين آذار / مارس 1990 وكانون الأول / ديسمبر 1991 ، وأنجبت الاتحاد الروسي وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وأوكرانيا وبيلاروس ومولدوفا وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا.

[10]  انظر Éric Toussaint ، “معضلة جيش الساندينيين” « Le dilemme de l’armée sandiniste »، Inprecor No. 328 ، 12 أبريل 1991.

[11]  مقتبس في إريك توسان ، “معضلة جيش الساندينيين” ، إنبريكور رقم 328 ، 12 أبريل 1991.

Éric Toussaint ،  « Front ou parti : que choisir ? », Inprecor n° 329, 26 avril 1991. [12]

13) انظر Éric Toussaint ، « Renouvellement du Front sandiniste », Inprecor n° 337, 27 septembre .

[14 مونيكا Baltodano ( “إيزابيل” 104 لما كانت في السرية)، واحدة من قادة تمرد المناطق الحضرية في يونيو 1979 في ماناغوا، قائدة حرب العصابات، وعضو سابق في القيادة الوطنية لجبهة التحرير الوطني الساندينية (FSLN) ونائبة سابقة باسم FSLN. في مؤتمرات الجبهة في 1994 و 1998، كانت مونيكا Baltodano تنشط اتجاه اليسار الديموقراطي، معارضة أولئك الذين سيؤسسون حركة التجديد الساندينية (MRS) التي يقودها سيرجيو راميريز الذي كان نائبا لرئيس نيكاراغوا من 1985 إلى 1990 الى جانب دانيال أورتيغا. وبعدها دعمت دانيال أورتيغا امينا عاما للجبهة FSLN (في مواجهة هنري رويس، الذي كان مرشحا ضد دانيال اورتيغا في 1994)، وقد اقتنعت بـ “خطابه اليساري”. تركت مونيكا الجبهة FSLN في 1998، عندما وقع أورتيغا ميثاقه مع أليمان. شاركت في 2005 مع القائد السابق هنري رويس في تأسيس حركة انقاذ الساندينية (MPRs). راجع بالإسبانية: esp. http://www.rebelion.org/noticia.php?id=33344 Elle continue à être active dans la lutte politique au Nicaragua [15]  مونيكا بالتودانو ، “ما هو هذا النظام ؟ ما هي التحولات التي لحقت بالجبهة الساندينية للتحرر الوطني لتصل الى  إلى ما هي عليه اليوم؟” ، Inprecor رقم 651/652 ، مايو 2018 أو هنا :  http://www.inprecor.fr/article-Nicaragua-Qu’est-ce%20que%20ce%20régime%C2%A0%20%20Quelles%20ont%20été%20les%20mutations%20le%20FSLN%20pour%20arriver%20à%20ce%20qu’il%20est%20aujourd’hui%20%20?id=2144   [16]  انظر النعي المثير للاهتمام الذي نشر في 4 يونيو 2018 من قبل بوابة رسمية للكنيسة الكاثوليكية: المركز الإعلامي الكاثوليكي Cath-Info “نيكاراغوا: موت الكاردينال ميغيل أوباندو برافو عن عمر 92” https: // www. cath.ch/newsf/nicaragua-deces-du-cardinal-miguel-obando-bravo-a-lage-de-92-ans/   [17]  انظر منظمة العفو الدولية ، الحظر الكلي للإجهاض في نيكاراغوا. صحة وحياة النساء المعرضات للخطر ، المهنيين الصحيين الذين يواجهون عقوبات جنائية ، 2009 : https://www.amnesty.be/IMG/pdf/AMR_43_001_2009_WEB.pdf في القارة الأمريكية ، وبصرف النظر عن نيكاراغوا ، تمنع أربعة بلدان بشكل كامل الإجهاض في سلفادور وسورينام وهايتي وجمهورية الدومينيكان. تسمح ثلاثة بلدان بالإجهاض غير المقيد: كوبا وأوروغواي وغوايانا. المصدر: : https://www.courrierinternational.com/article/societe-seuls-trois-pays-autorisent-lavortement-sans-condition-en-amerique-latine

رابط المقال الأصلي بالفرنسية:

http://www.cadtm.org/Nicaragua-D-ou-vient-le-regime-de-Daniel-Ortega-et-de-Rosario-Murillo

تعريب: يونس الحبوسي (جمعية أطاك المغرب)