وفقًا لأحدث البيانات المتاحة، فإن الدين الخارجي العام الطويل الأجل لجميع بلدان الجنوب يقدر ب 2.936 مليار دولار أمريكي [1]. حوالي 10 ٪ من هذه الديون هي الآن في أيدي الدول الأعضاء في نادي باريس. إذا كانت النسبة قد تبدو ضئيلة، فلكي ننسى ان الدين هو في المقام الأول أداة للسيطرة، وأنه في أيدي الدائنين يساهم في تنفيذ أجندات لا تخلو من المصالح الجيوسياسية والتجارية والتي سيكون آخر من يستفيد منها هم دول الجنوب. لنوضح هذا العامل غير المعروف و المركزي.
القليل من التاريخ
عمليات إعادة هيكلة الديون السيادية ليست بالأمر الجديد. عندما تتخلف دولة مدينة عن سداد ديونها جزئياً أو كليا، فإنها تكون أمام عدة خيارات. يمكنها أن تقرر مواجهة دائنيها وأن تعلق أو ترفض التسديد من جانب واحد بعد أن تحدد الجزء غير الشرعي من خلال اجراء تدقيق مواطني للدين. هذا هو الموقف الذي ندافع عنه في CADTM. يمكن أن تحاول أيضا التفاوض على سداد ديونها مع الدائنين. هؤلاء الاخيرون – مقابل تطبيق عدد من الشروط (السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها) – قد يعيدون النظر في معدلات الفائدة أو يمددون فترة السداد أو تحويل الديون الى مشاريع استثمارية بهدف جعل البلد المدين قادرا على “تحمل الدين.
كان الخيار الثاني ما تبنته الديكتاتورية العسكرية بقيادة بيدرو أوجينيو أرامبورو سيلفيتي سنة 1956 و التي حكمت البرازيل رافضة ادارة ظهرها للقوى العظمى. فبحضور ممثلين عن الدول الدائنة الاحد عشر (ألمانيا ، النمسا ، بلجيكا ، الدنمارك ، فرنسا ، إيطاليا ، النرويج ، هولندا ، المملكة المتحدة ، السويد ، سويسرا) وبعد دعوة وجهها وزير الاقتصاد الفرنسي، تم إبرام اتفاقية لإعادة الهيكلة في باريس في 16 مايو 1956 مع الديكتاتورية العسكرية. هذا التصرف شكل بذاته شهادة ميلاد رسمية لما يطلق عليه خلال سلسلة الاجتماعات ” نادي باريس”.
الدور و التشكيلة
يعرّف نادي باريس نفسه بانه بمثابة مجموعة غير رسمية من الدائنين الرسميين – أي الدول، وتسمى أيضًا الدائنين العموميين. دوره هو “ضمان استرداد الديون الرسمية خلال إعادة هيكلة الديون”. بحكم امكاناته، فإنه يوفر للدائنين فضاء يتيح لهم التشاور ؛ بعضهم مع بعض؛ من أجل التفكير في أفضل استراتيجية لتبنيها قصد تجنب أي تقصير من جانب الدولة المدينة، وفقًا لمنطق مالي حصرا. لهذا، يمكن للنادي الاعتماد على قوة الردع تجاه اعضائه. منذ إنشائه، كان يتألف دائمًا من الدول القوى العظمى المعتبرة قوى عظمى. G5 أو G6 أو G7 أو G8، وجميعها أعضاء في النادي. العلاقات بين هاته المجموعات غير الرسمية تتجاوز تكوينها البسيط، بما ان مختلف القرارات المتبناة حول موضوع الدين خلال القمم السنوية تكون لها آثار مباشرة داخل النادي. اليوم يصل عدد اعضائه 22 دولة.
نادي باريس وصندوق النقد الدولي: الزوج الجهنمي
إذا قررت إحدى الدول التفاوض مع عضو في النادي بشأن ديونها العامة، فسوف تضطر إلى مناقشة ذلك مع نادي باريس وليس بشكل ثنائي. يعد هذا واحدًا من أولى جولات القوة لهذه المؤسسة غير الحكومية التي تضع البلد المدين في وضع غير مريح مقابل حوالي 20 من أكبر الدائنين. جولة القوة الثانية تلك، هي الحضور المركزي لصندوق النقد الدولي أثناء “المفاوضات”. أولاً، يخضع أي طلب للتوقيع المسبق على “اتفاقية” مع هذه المؤسسة المالية الدولية غير الديمقراطية. ثانياً، ستستند إمكانية اتفاق إعادة الهيكلة إلى حد كبير على التقييم المالي للمدين من قبل صندوق النقد الدولي ومع الدائنين. ثالثًا، ستخضع إعادة هيكلة الديون للتطبيق الصارم لبرنامج التقويم الهيكلي لصندوق النقد الدولي، والتي قادت بلدان الجنوب في الثمانينيات من القرن الماضي – وما زالت تقود على هذا الكوكب اليوم – لإنقاذ الدائنين الخواص، تعميق اللامساواة، انتفاضة الشعوب وتجاهل حقوق الإنسان الأساسية.
في مواجهة هذه العصبة من الدائنين الثنائيين والمتعددي الأطراف، لا نخطئ، فـالفاتورة شديدة بالنسبة للمدينين. من ناحية، يرى أعضاء نادي باريس أن هذه فرصة غير متوقعة تقريبًا لاسترداد غالبية الأموال المستثمرة في مواجهة بلد ما بشكل افتراضي. من ناحية أخرى، من خلال التوقيع على اتفاقات إعادة الهيكلة هذه، تتخلى الدولة المدينة عن إمكانية الاعتراف بجزء من الدين الذي أعيد التفاوض بشأنه باعتباره غير شرعي، مع التخلي عن جزء كبير من سيادتها للتطبيق السياسي و الاقتصادي الصارم للشروط الواردة في “الاتفاق”. في الوقت نفسه، يدفع الناس الثمن.
ناد مأزوم؟
منذ عام 1956، أجرى النادي 433 عملية إعادة هيكلة في 90 دولة مختلفة. ما يقارب 90 ٪ منها، كانت بين عامي 1980 و 2010 في أعقاب اندلاع أزمة ديون العالم الثالث. تباطأ هذا المعدل بصورة كبيرة منذ ذلك الحين مع حوالي عشرين معالجة خلال العقد الحالي. يمكن تفسير ذلك بالانتقادات الشديدة التي وجهت للنادي وصندوق النقد الدولي بعد إدارتهما لديون الثمانينيات. ومن أجل الاقتراض والوصول إلى مستويات لم يتم بلوغها من قبل، تتوجه دول الجنوب إلى الجهات الفاعلة الثنائية – وخاصة الصين ودول الشرق الأوسط – والشركات الخاصة من خلال إصدار سندات ذات معدلات فائدة مرتفعة. ولكن هل سيكون فقدان التأثير في الأرقام كافياً لجعل عصبة الدائنين متجاوزة؟
لا شيء مؤكد. على الجبهة السياسية، تدعم G7 / 8 و G20 والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بانتظام نادي باريس، معتبرينه المنتدى الرئيسي لإعادة هيكلة الديون الثنائية. حتى لو كان جزء كبير من ديون بلدان الجنوب اليوم بين أيدي الدائنين من القطاع الخاص، فلا يساورنا شك في أنه سيتم تحويله إلى القطاع العام في حالة التخلف عن السداد كما كان الحال في الثمانينيات. على الصعيد الاقتصادي ، بدأت أزمة الديون الجديدة في بلدان الجنوب بتسع دول تعاني من مديونية مفرطة وخمس عشرة دولة متخلفة عن السداد. لا يبدو أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتباطؤ نمو الأخيرة، وكذلك استمرار انخفاض أسعار المواد الاولية، تعمل لصالح بلدان الجنوب. إن الارتفاع المرتقب في أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، والذي سيُقترن قريبًا بارتفاع البنك المركزي الأوروبي، يجب أن يؤدي إلى تسريع الأزمة الحالية.
بدون تشكيل جبهة موحدة للبلدان المثقلة بالديون إزاء دائنيها من أجل المطالبة بتدقيق مواطني للديون وإلغاء الديون غير المشروعة، فسيكون من المؤسف ظهور صندوق النقد الدولي والنادي عائدان إلى العمل من جديد.
ترجمة يوسف فاضل
أطاك المغرب